من على شرفات الوداع أطل فجر قريتي الحزين…
سميحة الحوسنية
جنازة تلو الأخرى، وأوجاع دامية مفعمة بلوعة الفراق، ووداعاً تلوح له الأيادي من بعيد، فلا قبلات يطبعها الولد على جبين أمه، ولا معانقة أخيرة تقتات به الإبنة زاداً لأيام الفقد؛ فكيف لأبي طلال أن يفارق سراج بيته الذي أطفأته كورونا، وسلب منه رفيقة دربه؟! …
أرواح غالية تغادرنا بلا عودة ..
صرخات في ممرات المستشفيات، وأسرة تئن مع ضجيج الألم، وقلوب تنتظر الفرج والأمل…
هناك شموع تتوقد، وشموع تنطفئ .. غادرتنا ضحكاتهم وأحاديثم الجميلة. بالأمس كانوا معنا يشاركوننا الفرح والترح، بيوت كرم مفتوحة للجار والضيف.. ووجوه سمحة للخير محبة، آه ثم آه ثم آه.
أين الأهل والأحباب، وجمال التفاصيل في قريتي الواسط وأهلها الطيبين؟! لم يبقَ سوى آثار بيوت ما زالت أصوات الأرواح تحملها نسمات البحر كلما زاد الحنين لساكنيها..
فكان فراق المغادرة ورحيل الموت…
ودعت حارتي المكلومة الحاجة موزة أم طلال إحدى نسائها الخيرات الفاضلات، كانت تتفقد جاراتها وتزور أرحامها.. وأياديها البيضاء بالخير تفوح زهراً وعطراً.. كم أفجع القرية خبر وفاتها.. فكان فجراً حزيناً أطلَّ على أهلها وأحبابها…
فصمت البحر، وهاج بكاءً على خطواتها المطبوعة على سيفه الملتهب الحزين..
ستظل أحاديثها الممتعة التي تنم عن صفاء قلبها وطيبتها في ذاكرة الجميع. رحلت أمنا الحنونة التي لطالما ارتفعت لها الأيادي داعية المولى أن يطيل بعمرها ويشفيها من براثين كورونا القاتل، ولكن هذه أرادة الله ومشيئته المكتوبة، فكانت المنية…
رحل الأحباب وأوصدت الأبواب.. وغيرت جائحة كورونا خريطة الحياة، فطمست معالمها.. وسلبت منا الراحة والإطمئنان، وضاقت القلوب باوجاع الفقد.
تجود ذاكرتي بأجمل لحظات اللقاء معها، فكم كانت أماً حنونة يحبها الجميع هادئة.. مبتسمة.. ذات خلق حسن، سيرتها العطرة ستظل أريجاً يعطر لحظات الصبابة إليها…
رحلت أم طلال إلى دار الحق والعيون تبكيها، والقلوب مكلومة بفراقها…
وداعاً أم طلال، وإلى جنات الخلد يا من كانت الحياة بكم تحلو.
رحم الله موتانا وموتى المسلمين..
اللهم إنا نسألك الشفاء لمن أتعبهم المرض ومسهم الضر .. اللهم احفظ عُمان وبشرنا بزوال هذا الوباء ..