معالي الوزير أديت القسم وحملت الأمانة فما أنت قاض
خميس بن محسن بن سالم البادي
قال الله سبحانه وتعالى:- {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ{34} لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ {35} }.صدق الله العظيم- سورة يس.
الحمد لله الذي بسط لنا الأرض وأمرنا بالسعي في مناكبها لنأكل من رزقه حتى يكون إليه جلت قدرته النشور، الحمد لله الذي جعلنا من أهل وسكان أرض الغبيراء، هذا الجزء المبارك الطيب من كوكب الأرض – سلطنة عمان- عُمان المتميزة بموقعها الاستراتيجي من بحر وسهل وجبل وبر، حيث البحر ينضح من جانبها بخيره الذي دعى المصطفى صلى الله عليه وسلم خلال حواره مع الصحابي الجليل مازن بن غضوبة أن يكثر لنا البحر من خيره، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه(اللهم وسّع عليهم في ميرتهم، وأكثر خيرهم من بحرهم)، إذاً ما على المرء إلا السعي والحركة في إيجاد ما يكفيه ويغنيه من قوتٍ لحياته بالدنيا، من خيرات أرض الله المباركة هذه، وبما يجعله في بحبوحة من العيش الرغد من غير فاقة أو سؤال، نعم إحدى عشرة محافظة عمانية بجغرافية وموقع وميزة كل منها، وأن كل محافظة بما فيها تنضح من الخير والفضل المبارك، بل كل ولاية من ولايات السلطنة وقراها وبلداتها تنتج ما لديها من خيرات الأرض متى ما وجدت العناية والرعاية والاهتمام، من أيادٍ وطنية تعمل بإخلاص ومحبة لهذا الوطن الغالي بعيداً عن يد العابثين المفسدين في الأرض، الذين استقدمناهم لإعانتنا على القيام ببعض الأعمال تحت إشرافنا المباشر، ولكن للأسف أعطيناهم وبمحض إرادتنا الأرض والزرع وتركناهم يسرحون ويمرحون دون حسيب ولا رقيب، وتجاهلنا أنه قل أن يحل غريب في روض ويعمر جيله بقدر ما هو يعيث فيه من الفساد والتخريب، وبذلك استنزفوا المياه وأفسدوا الأرض ولوثوا المحاصيل والمنتجات الحقلية بالكيماويات والمبيدات بما هو أعلى من المقرر، بل والبعض وفي غفلة عن الأنظار أخذ يسقي المزروعات بمياه المجاري(أجلكم الله)، حتى كانت كما صارت إليه اليوم، مياه مالحة هنا وشحيحة هناك، وتربة بور تالفة في مواقع مختلفة، ومنتجات خطرة على صحة المستهلك، وقد يصف قائل عما سيرد تالياً إنها أحلام اليقظة أو الأحلام الوردية أو هي آمال واهية صعبة التحقيق والمنال، ولكن المفترض أن يتحقق ذلك على أرض الواقع بإرادة وعزيمة وهمة رجال عُمان الأفذاذ الذين عُهد فيهم وفي أسلافهم ذلك، وهُم ورّاث هذه الصفات والميزات لا ريب في ذلك أبداً.
فالسلطنة ولله الحمد من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها حتى غربها ستبقى بإذن الله تعالى سلة غذاء شبه متكاملة إن لم تكن مكتملة فعلاً، إذا ما أعيد ماضيها الزراعي والسمكي والحيواني بجد واجتهاد، وباعتماد كلي على المواطن الذي لن يألوَ جهداً متى ما أتيحت له الفرصة ووجد من حكومته السند والدعم والمتابعة والتوجيه والنصح والإرشاد، وهي الإجراءات التي تمكّـنه من أداء ما يتاح له من الفرص خير أداء، حيث وعلى ذكر إعادة الماضي فقد قال السلطان الراحل قابوس بن سعيد عليه من الله تبارك وتعالى سحائب الرحمات والغفران،،(كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوّة وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم)، وهو ما حدث فعلاً لأن الإرادة والعزيمة كانتا الهدف الأسمى لتحقيق ما نحن عليه اليوم ولله الحمد والمنّة، وبذلك فإنه ليس من غير الممكن أيضاً العودة إلى ما كنا عليه من الإنتاجات الحقلية والبحرية والحيوانية، وحتى تأميم المحاجر والكسارات في مختلف المحافظات، التي تعتبر منجماً جيوليوجياً ذات مردود اقتصادي هام للخزانة العامة متى ما تم احتواء هذا القطاع تحت مظلة الدولة دون أفراد بشخوصهم، والذين أفسدوا بالأتربة البيئة وبالأدخنة والغبار والأبخرة أضروا بالطير والبشر والحيوان والشجر، واعتلت الصحة وبشاحناتهم أعطبوا الطرق وأتلفوها، في حين بالكاد تجد مواطن من بين عشرة من غيره يعمل لديهم، وإن وجد فهو من بين قِلَّة قليلة جداً من يكون منهم في الوظائف والمهن الإدارية والإشرافية، وعليكم بتفعيل كافة موانئ السلطنة لتستوي عليها الجاريات في تزاحم منظور لنقل البضائع في التصدير والاستيراد المباشر من بلدان المنشأ، كما كانت ذروتها ونجحت ولله الحمد خلال بداية الجائحة الوبائية من العام الفائت.
وحيث نقول أن هذه الأرض طيبة مباركة وهي كذلك فعلاً بفضل الله تعالى ومَـنّه علينا، فقد كنا كثيراً ما نجد ثمار البطيخ الأحمر والطماطم النضريْن الناضجيْن تحت أشجار الأراك في البراري والأودية، ولا داعي لشرح كيف نبتت أشجاره، فلا شك أن ذلك واضح نتيجة ارتياد الرعاة ومواشيهم وعابري السبيل فيافي المكان، ومع استمرار مدرار السماء في تلكم الفترة تنبت الأرض وتخرج خيراتها، وحيث عُرِف الإنسان العماني بالهمة والإقدام والعزيمة فلا عائق أمامه حين يكون متوكلاً على الله حق التوكل عليه، وهذا يذكّرني بإرادة وعزيمة أبي رحمه الله تعالى حيث كانت له حقلية يفلحها يومياً من الصباح إلى وقت المغرب، وكان بها جزءٌ أتعبه كثيراً بعدم قابليته للزراعة لعيب في التربة، فحتى بالتسميد لم يعطي النتيجة المرجوّة، لكنه ورغم عدم نيله شيئاً من التعليم الحديث، وفي ذات الوقت انعدام الوسائل والتقنيات المتطوّرة والإرشادات الحكومية آنذاك، إلا أن ذلك الجزء من الأرض لم يكن مستحيلاً أمامه، فلم يتركه دون استغلال، فعمد إلى إزالة التربة المتهالكة منها كلياً، وأخذ يعمرها بتربة الطمي التي يأتي بها من سيوح الولاية وأوديتها، ومن تحت الأشجار البرية، وهي التربة التي تعرف محلياً من قبل البعض بــ(العَـفَـار)، وأخذ يخلطها مع السماد الذي كنا نجمعه من الماشية التي كان يمتلكها، وهو سماد عضوي خالص، وهو الذي كان سائداً في ذلكم الزمن، وببركة الله تعالى ثم بعزيمته وفكره وهمته رحمه الله تحول ذلك الجزء إلى منتج موسمي دائم، وقد اتبع الطريقة ذاتها لكل أرضية الحقل، فاعتمرت الأرض وتقوّت ونضرت الأشجار وطابت وأنتجت.
إذاً هي همة وعزيمة الرجال، ودعمك وسندك، وفكرك النيّر وتوجيهك أنت أيها المسؤول الذي قَـبِـلْتَ أن تحمل على كاهلك أمانة مستقبل هذا البلد، بخدمتك له ولأبنائه، وذلك وفاءً لقسمك أمام الله سبحانه وتعالى ثم ولي الأمر- حفظه الله ورعاه- ، ليأتي من هنا دوركم جميعاً كمسؤولين كلاً في مجاله بناءً للمسؤولية التي أُولـِيَتْ لكل منكم، وذلك من حيث تشغيل العقل البشري العماني القادر من غير شك على العطاء والانتاج، فليس ثمة غير ممكن أمام الإصرار والعزيمة، فاعطوا العماني فرصته، وازرعوا في ذاته الثقة، ولنشمّر عن السواعد ونعمل بجد واجتهاد، نعم قد يكون البناء عند الشروع في إنشائه مجهداً وشاقاً بل وربما مكلفاً إلى حد ما ولكن المسافات الطوال دائماً تبدأ بخطوة، ولننظر غداً للمردود من ورائه، وما سيوفره للوطن والمواطن من الخير بإذن الله تعالى، ورغم إني لست من محبي المقارنة بما تقوم به حكومات بعض البلدان، إلا أن ذلك يأتي هنا من مبدأ التذكير، فلنمعن النظر في بعض المشاريع العملاقة والمعقدة التنفيذ في الوقت عينه والتي أنشأتها بعض أقطار العالم على أراضيها، وقد كلّف إنشائها ملايين الدولارات، ولكن بجاهزيتها قد أتت أكلها الذي ارتجاه منشئوها من ورائها، وما إصرار تركيا مؤخراً بشق قناة اسطنبول البحرية إلا نتيجة الإرادة والعزيمة لدى الحكومة ليقينهم من الجدوى الاقتصادية للمشروع الذي يحاول عرقلته المغرضين هناك، وما نحن بصدد الخوض فيه عبر هذا السياق ليس بطبيعة الحال بضخامة بعض مشاريعهم، لكنها لا تقل عنها أهمية من حيث نوعيتها ومردودها الإيجابي للسلطنة وأبنائها، من خلال جدية الوقوف على قيامها ودعمها لحصد نتاجها المرتقب بعون الله تعالى، وطرق الاستثمار متعددة في تمويل وتنفيذ مثل هذه المشاريع دون الاعتماد الكلي على التمويل الحكومي.
ولذلك انتقوا التخصصات الدراسية للطلبة المبتعثين في الداخل والخارج بما تحتاجه المرحلة الراهنة والمراحل القادمة، استغلوا الآلات والمعدات والتقنيات التكنولوجية الحديثة التي ستلبي الاحتياجات في مجالاتها والتي ستوفر لكم الجهد والوقت وتعطي النتائج المرجوّة منها، والتي تصنّع لمختلف المشاريع لاسيما الزراعية منها، واستوردوا منها الغير موجود في البلد، واستخدموا فلاتر المياه الضخمة لتحلية المياه الجوفية التي لحقت بها الملوحة، وأكثروا من إقامة السدود في الولايات في المواقع المناسبة على مسارات الأودية ومجاريها لتخزين مياه الأمطار رفداً للمياه الجوفية في الآبار الارتوازية والأفلاج والتغلب على نسبة الملوحة بها، بل وقفوا إلى جانب سكان القرى والبلدات الذين يبادرون بجهودهم الذاتية نحو إنشاء مثل هذه السدود، واجعلوا منهم لكم شرعة ومنهاجاً في غالب المشاريع الخدمية العامة لما لهم من الخبرة والمعرفة بطبيعة المكان في مقار سكناهم، وليكن الأمر شورى بينكم وبينهم في ذلك، واستعينوا بالبيوت الزراعية والأدوية والأسمدة بنوعيها العضوي والصناعي، وغيرها مما يجعل الزراعة قابلة للنمو تحت أية ظروف وبمواصفات ذات جودة عالية يجعلها منافسة لمثيلها من منتجات الدول الأخرى، واستعينوا بالمهندسين والمرشدين الزراعيين العمانيين، واعلموا يقيناً أنهم مهما نالوا من درجات العلم فلن يكونوا في الزمن القريب أنداداً منافسين في تبوئهم مقاعد قد ترونها أنها ليس من حقهم بعد أو هم كفؤاً لها فذلك أمده قد يطول، ولا ريب مطلقاً أن حبكم النقي الخالص لهذا الوطن المعطاء وغيرتكم النزيهة عليه فإنه لا يضيركم وأنتم ترون أبناء عُمان حتى وهم علماء، وهنا أستحضر مقولة العالم الراحل أحمد زويل- رحمه الله تعالى-.. بأن الغرب ليسوا أذكياء ولكنهم يدعمون الفاشل حتى ينجح، والعرب ليسوا أغبياء ولكنهم يحبطوا الناجح حتى يفشل،، فعليكم أن لا تحبطوهم وتقطعوا بهم الأسباب، بل واجب محتم عليكم دعم كل عماني وبقوّة، والوقوف إلى جانبه ليشق طريقه بنجاح لخدمة عُمان وأبنائها الكرام.
وعلى غرار توجه الوزارة المختصة مؤخراً بتنفيذ مشاريع حقلية لبعض الأصناف للأشجار المثمرة في المحافظات والمعلن عنها قبل بعض يوم، أقيموا كذلك مزارع نموذجية في المحافظات يتم تأسيسها من قبل الحكومة وبمساهمة الأفراد والشركات بمسمى شركات(…../ش. م. ع. ع) وليكون المواطن على رأس إدارتها، ثم إن ارتأى المختصين في الحكومة بيع حصتها فيها أو طرح بعضها أو جميعها للمزاد لتكون مزارع مستثمرة من قبل من يرسو عليه المزاد من المواطنين فقط ودون بيع الأرض فليكن كذلك، وذلك فق اشتراطات معينة بين طرفي الموضوع (الحكومة والمستثمر) من بينها استمرار المواطن في الإدارة والأعمال الفنية والإشرافية دون غيره، على أن يكون للمعنيين ممثلي الحكومة القيام بالزيارات التفتيشية المفاجئة للتأكد من مدى التقيد بالإشتراطات المتفق عليها ولجميع المزارع، وذلك من حيث العمالة الموجودة ودور كل منهم والمواد المستخدمة في التسميد ومكافحة الآفات ومدى جودة الانتاج وإكثاره، وطرق الري بغرض الحفاظ على الثروة المائية من الهدر والاستنزاف، ووسائل الري المستخدمة لتقنين احتياج المزروعات للمياه، وفي حال فشل المستثمر بإدارة المزرعة وفق ما هو متفق عليه وطبقاً لبند شرط الفشل الذي يجب أن يكون مقروناً بالغرامة والموضح في عقد الاستثمار يتم إنهاء العقد معه وتحال إدارتها لمستثمر آخر بذات الشروط .
أكثروا من شجرة نخلة النغال في ولاية دماء والطائيين حيث التباشير المبكرة للقيظ، واجعلوا من ثمرها مردود اقتصادي من خلال طرحه بشكل موسّع في الأسواق المحلية والخارجية، وتذكّروا جارتها ولاية المضيبي بمساحتها الشاسعة، وما يمكن أن تحتضنه من مزروعات مثمرة وقريتها (الروضة) الغنية بالثروتين الزراعية والحيوانية، وليس ولاية الكامل والوافي عنهما ببعيد حيث الـمُـزارِع علي الراسبي صاحب مزرعة شجر التين المثمر الذي لزاماً أن يجد دعمكم وتشجيعكم، ودعم أقرانه وحثهم بالسير على نهجه، وهي الولاية التي يطيب على أرضها كذلك استواء البطيخ بنوعيه الأحمر(الجح) والأصفر(الشمام) ليكون بذلك منتجاً مساعداً لذاك الذي ينتجه حقل نجد في ظفار الأصالة، وشجعوا على غرس فسائل النخيل ذات الأصناف الجيدة لتكون رديفة لمشروع المليون نخلة، فثمة مزارع أضحت نخيلها هرمة ولا يوجد من بينها البديل وتابعوا ذلك من منطلق مسؤولياتكم، خاصة وأن السلطنة ماضية في إنشاء مصنعين للتعامل مع التمور بكل من نزوى وبركاء، فإضافة إلى تغليف الأصناف الجيدة المستهلكة بشرياً استخلصوا التمر الخاص بعلف الماشية(النفيعة) واجعلوه متاحاً تجارياً في الأسواق لمربي الماشية، ولوفرة الرطب خارج الموسم بطرق التبريد رافد اقتصادي وشأن غذائي مكمل ويغني عن استيراد مثيله من الخارج، سيما وأن الأمريكان قد أخذوا منذ زمن في زراعة أشجار نخيل التمر في بعض ولاياتهم هناك بطرق وعناية علمية وحديثة مما يجعل منتجهم ذات جودة عالية وربما يكون منتجاً منافساً- نسأل الله تعالى أن لا يأتي علينا زمناً نستورد فيه التمور منهم ونحن أهله- وأكثروا من زراعة كافة المزروعات المثمرة في البيئات التي تناسب وتلائم كل صنف منها في كل ولاية من ولايات السلطنة وجربوا استيطان الأصناف الخارجية منها في السلطنة وازرعوه أينما تطيب له الإقامة في أي من الولايات، ازرعوا أشجار التمر الهندي (الصبار) فهي شجرة استوائية، وأقيموا مصنعاً لمعالجة وتغليف ثمارها، وسوّقوه محلياً وصدّروا الفائض، واستخلصوا منها العلاجات الطبية المتعددة، وازرعوا نبتة المسد، واستخدموا خيوطها المرنة الصلبة تجارياً في الداخل والخارج، ولتقفوا على دعم سكان الجبل الأخضر ليتمكنوا من زيادة غرس عدد المثمرات من الأشجار لديهم، وإنشاء مصنعاً لهم لاستخلاص ماء الورد بالطرق الحديثة سواء بنكهته الحالية(المدخنة) أو العادية أو كلاهما معاً، ليكون منتجاً رائجاً على أرفف محلاتنا وضمن صادرات السلطنة للخارج من بين باقي المنتجات العمانية، وتكثيف زراعة قصب السكر، وإقامة معملاً لاستخلاص منتجاته، وأسوة ببعض البلدان ازرعوا الساحات والميادين العامة، وعلى جوانب الطرق بالأشجار المثمرة ليأكل منها الإنسان والطير عوضاً عن الأشجار التي تستهلك المياه لأجل صفر فائدة، ازرعوا الذرة واستخرجوا زيتها، ثم ليكن شجرها علفاً للمواشي، وغيرها الكثير والعديد، ولكم في القت العماني أسوة طيبة لمواشينا اللاحمة، واستغلوا لذلك الأراضي المهملة من خلال أصحابها واستصلحوها واستثمروها لمن يقع عليه الاختيار لذلك من أبناء هذا الوطن، أعيدوا المآثر الزراعية لسهل الباطنة شمالها وجنوبها، وتذكروا أساطيل الـفُـلْك التي كانت ترسو على الشواطئ قبالة ولاياتها حيث جاءت لتحمل الصادرات الزراعية بما فيها أشولة الليمون العماني الخالص الجاف لتكون وجهته البصرة بالعراق وجزيرة دلمون- مملكة البحرين- ودول شرقية وأخرى غربية، وعرّجوا إلى الفيافي المقفرات وازرعوا فيها الأشجار البرية كالسمر والغاف والأراك والسدر، فمن شأن ذلك أن يحافظ على التوازن البيئي ويكثر من المراعي الخضراء ويكون مرتعاً خصباً للنحالين في المواسم المتعاقبة، واسترخاءً تتفيأ ظلاله مختلف الكائنات ويكون بديلاً عن الأشجار الميتة والمتهالكة، وتصدوا بحزم لكل مفسد للبيئة الخضراء فالاحتطاب الجائر مهلكاً للطبيعة، ولا تنسوا بحرنا العامر لتنقذوه من عبث أولئك المفسدين في البحر وسلموا زمام قيادته للمواطن، واستثمروا في مشاريع أسماك الكافيار(وجبة الملوك)، وزعانف سمك القرش التي يستطيب حسائها بعض الأقوام في الخارج وربما من يتواجد منهم في البلاد، وزيت السمك النافع ومادة الجيلاتين مادتان في حال استغلتا الاستغلال الأمثل فذلك لا شك أنه مردود اقتصادي آخر، وقد تبين مؤخراً وجود عوالق بكتيرية ضارة في أسماك الأنشوجة (القاشع) نتيجة التجفيف الخاطئ وفق فحوصاتكم المعلنة، فهل ثمة إجراء اتخذتموه لدعم الصيادين للعمل على تجفيف متطور سليم لهذا النوع من المأكول البحري؟ وهل عملتم على تطوير الحرفة بغرض زيادة الانتاج في ظل ما نراه من شح في المعروض؟، وقد قال الله عز وجل في سورة النحل{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) صدق الله العظيم، وأقيموا على شواطئه مضخات التحلية لتساعد في ري المزروعات.
وطّـنوا سوق الموالح المركزي للخضروات والفواكه وأمثالها من الأسواق الرئيسية في كافة ولايات السلطنة، واجعلوا العماني هو من يقوم على شؤون الخضر والفاكهة في السلطنة تصريفاً وبيعاً وشراءً ونقلاً وترويجاً في الداخل خاصة، فهو الابن البار لهذا الوطن الشامخ، وذلك أسوةً بمهنة بيع الأسماك وترويجها التي يزاولها المواطن والذي أثبت جدارته في مجاله كما كان آبائه من قبل،(استثناءً من ذلك – على حد علمي- سوق الأسماك بولاية البريمي التي تدار من قبل العمالة الوافدة لأسباب أجهلها شخصياً، لكن الأمل المنتظر أن تدار السوق من قبل المواطن)، وأوجدوا فرص عمل بشركتي الألبان(مزون والصفوة) بالإستعانة بحرائر عُمان الماجدات الراغبات في العمل ممن لديهن الخبرة في صناعة استخلاص منتجات الألبان(اللبن المطبوخ- الكامي-/ الجبن/ السمن المقشود.. إلخ) فمن ذلك استفادة للشركة ورفد السوق بمنتج محلي (جديد/ قديم)ودخل شهري للمواطنة العاملة،، ولبعض ذلك وحسب مقتضيات الحاجة فقط اجعلوا من العامل الأجنبي مُـؤْتـَمِـراً بأمر المواطن إدارةً وإشرافاً وتوجيها وإرشاداً- له أجره وأجره فقط بنهاية الشهر.
احظروا المنتجات المستوردة عند وفرة المنتج العماني والقدرة بتلبية كافة طلبات الأسواق المحلية منه كما كان يحدث في فترة مضت، فإننا لسنا مجبرين على مراعاة مصلحة الآخر مع ما يتعارض مع صالحنا فهي تجارة ابتاع المنتج متى أحتاج وأشاء وأكف عند الانتاج والاكتفاء، أكثروا من تربية الثروة الحيوانية وشجعوا المربين عليها، هندسوا العقول العمانية في الزراعة والأسماك واجعلوا من العمانيين أطباء بيطريين لعلاج الماشية في البلاد فهي تجارة مربحة أيضاً إذا ما افتتحوا عيادات بيطرية خاصة بهم، ووظفوا البعض منهم لدى الجهات التي تحتاجهم ليؤدوا دورهم في خدمة الوطن، بل واجعلوا منهم علماء مختصين في علم النبات والأسماك والحيوان، ولا تكونوا كأولئك الذين استشارهم السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله تعالى في شأن إنشاء جامعة في البلاد فأشاروا إليه بعدم الجدوى منها لكنه لم يأخذ برأيهم عليه رحمة الله تعالى فقرر وتوكل على الله وشرع في إنشاء الجامعة التي هي اليوم جامعة السلطان قابوس، إذاً ماذا هم قائلون اليوم إن كانوا من الأحياء وقد تحجرت عقولهم حينها والجامعة في بلادنا ها هي شامخة تؤتي غراسها كل حين، فذروا وراءكم الجوانب السلبية المحبطة واركنوا إلى ما هو إيجابي منها وتحسسوا من حولكم بطانتكم الصالحة التي بها ترجح الكفة وتنجح، ولنجعل من النفط دخلاً ثانوياً دون الاعتماد الكلي عليه فما أدرانا ربما يأتي زمناً تكون تكلفة استخراجه من باطن الأرض أعلى سعراً من بيعه، هذا إن لم يتم الاستغناء عنه أصلاً في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع والمناشدة باستخدام الطاقة النظيفة، بل وسعي البعض إلى استخدامها فعلاً، لا سيما أنه قبل ثلاثة عقود مضت ومن خلال برلماني عُماني مفتوح بسيح الطيبات بولاية صحم (إن لم تكن ذاكرتي قد شاخت) وجّه السلطان قابوس بن سعيد- سقاه الله من الرحيق المختوم-، الجميع ومن سبقكم على كراسي الحكومة خاصة إلى عدم الاعتماد الكلي على النفط كونها ثروة متذبذبة وتخضع لأمر العرض والطلب، لكنهم للأسف كانوا أيضاً من أصحاب العقول المحبطة للآمال والذين لم يعوا حقيقة قوله السامي رحمه الله تعالى، وهو ما نعيش واقعه المرير اليوم فذهَبَنا الأسود له الآن ما يزيد من نصف العقد من الزمن وسعر بيعه لا يغطي المأمول منه، كما كان له عديد التوجيهات السامية بالمحافظة على الزراعة والاستمرار فيها ناصحاً – أسكنه الله الجنة- بعدم تركها وبقية حرفنا التقليدية للوافد ليعبث بها، ولذلك عليكم بالزراعة والثروتين السمكية والحيوانية والصناعات المختلفة والسياحة التي هي أيضاً ما تزال درر مكنونة في مواقعها لم تظهر للسائح بما هو مرتجى ومطلوب فهذه القطاعات هي عصب الاقتصاد حاضراً وفي مقبل الأعوام، ثم انظروا بعد تفعيلها التفعيل الحق الصحيح للمردود المرجو منها ولعديد فرص العمل التي ستوفرها للمواطنين وتابعوا النتائج باستمرار، بل وليكن ذلك ديدنكم جميعاً ومن يأتي من بعدكم حتى تكون قطاعات منتجة ومستدامة في البلاد،، فيا أيها الذين تبوأتم مقاعد المسؤولية والقيادة برضاكم التام وقد عاهدتم الله ثم السلطان والشعب العماني على حمل المعروضة على السماوات والأرض والجبال اللاتي أبت حملها لعظمتها وثقلها، وحيث قال بعض أسلافكم في الماضي القريب أنه لا مساس بمعيشة المواطن لكنكم وإياهم مسستم تدريجياً بهذه المعيشة من خلال فرضكم الضرائب عليه بأنواعها المختلفة، وحيث انتهى ذلك إلى كذلك فلا خلاف عليه تقديراً للظروف الراهنة حباً للوطن والإنتماء إليه وبقوّة- نسأل الله تعالى بتيسير الأمور والأحوال-، ولكن عوّضوه خيراً بتحسين معيشته فأوجدوا له الوظيفة التي تعينه على حياة كريمة ينشدها وجدّوا في استقراره وأمانه الوظيفي، وحيث ولّى زمن المكاء والتصدية على الأقوال المجردة واللتان لن تجدوهما اليوم عدا عند ترجمتهما بالأفعال على الواقع بل ومقرونتان حينها بعبارات الشكر والعرفان، فإنكم بذلك أمام مسؤوليات عظيمة ومهام جسيمة، عليكم الوفاء بها من غير تقاعس أو إهمال وفاءً لقسمكم العظيم، وبما يجعل من عُمان منافسة قويّة في مجتمعات ليس فيه للضعيف موطئ قدم، وبتوكلنا حق التوكل على المولى عز وجل وعملنا الجاد ستبقى بلدنا صامدة قوية بعون الله وتوفيقه.
وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم الآية(105).
ودمتم يوم ظعنكم، ويوم إقامتكم، وأينما كنتم في رعاية الله وحفظه، وحفظ الحفيظ عُمان وأهلها بالخير والسلام والأمان.