نظرية مالتوس في السكان
صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراه في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
يُعد توماس روبرت مالتوس Thomas Malthus 1766-1834م) من أوائل الذين أدخلوا العامل الديموغرافي في النظرية الاقتصادية، إذ يُعتبر من المؤسسين لعلم السكان، حيث أدخل النمو السكاني في الفعالية الاقتصادية التي كانت تحلل وتفسر على أسس سكونية لا تأخذ الزمن بعين الاعتبار، وبهذا كان أول من أسس نظرية متكاملة في السكان التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً في السياسة الاقتصادية. مع العلم أن ابن خلدون في القرن الرابع عشر(1332 – 1406م) قد أشار من قبل إلى وجود علاقة بين عدد السكان ومستوى التحضر وتوزيع العمل، لكن لم تكن نظريته متكاملة كما طرحها مالتوس.
اعتمد مالتوس على متغيرين في نظريته، وهما العامل الديموغرافي (النمو السكاني) والإنتاج الزراعي، يشير مالتوس إلى أن عدد السكان يزيد بمتسلسلة هندسية (1، 2، 4، 8، 16، 32… إلخ) حيث أن البشر يتضاعفون مرة كل 25 عاماً ما لم يواجهوا عائقاً أمام الزيادة. بينما يزداد الإنتاج الزراعي بمتسلسلة حسابية ( 1، 2، 3، 4، 5، 6… إلخ) حيث يتضاعف الإنتاج الزراعي كل 52 عاماً فقط بسبب محدودية الأراضي الصالحة للزراعة وتناقص الإيرادات جراء كثافة الاستغلال. وهذا يؤدي مع الزمن إلى نقص حاد في الغذاء والسكن، مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة من فقر وجوع، وبروز لظواهر مجتمعية سيئة كالتشرد والتسول واحتراف النصب والسرقة. ولتصحيح هذا الخلل تظهر عوامل خارجية مثل المجاعات والحروب والأوبئة لتعيد التوازن من جديد بين أعداد السكان والكميات المتوفرة من الغذاء، وهذا ما يسمى بالمعضلة المالتوسية أو الكارثة المالتوسية.
يؤخذ على نظرية مالتوس عدة نقاط جوهرية منها أنها بررت كثيراً من مظاهر العنف والتعقيم القسري ضد الفقراء في القرن التاسع عشر خصوصاً بين السود والهنود الحمر لتقليل حجم السكان، كما يؤخذ على هذه النظرية أنها لم تدخل العامل التقني الذي تطور كثيراً وأدى إلى مضاعفة الإنتاج الزراعي بأرقام كبيرة، وأخيراً لم تخضع نظرية مالتوس للتجريب كما اعتاد العلماء في إثبات نظرياتهم بعد إخضاعها للاختبار والتجريب.
وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة على هذه النظرية، إلا أنه ما تزال أطروحات مالتوس حاضرة في السياسات الاقتصادية، فمعدل النمو السكاني الآن يؤخذ بالحسبان عند رسم السياسات الحكومية، ولا يكاد يجرى بحث علمي إلا ويدخل العامل الديموغرفي في حساباته واختبار نظرياته. ومحاولة التأثير على هذا المعدل (النمو السكاني) ما هي إلا محاولات مسبقة لتجنب كوارث اقتصادية مستقبلية، وأكبر مثال على ذلك الصين التي وضعت أشد قانون في تحديد النسل (سياسة الطفل الواحد)، التي استمرت منذ عام 1978 إلى عام 2015 م، ثم خففت هذا الإجراء أخيراً إلى تنظيم النسل بدلاً من تحديد النسل (طفلين لكل أسرة).
يمثل النمو السكاني الفرق بين معدل الولادات ومعدل الوفيات في دولة ما، مضافة إليها أعداد المهاجرين إلى هذه الدولة، ومطروحاً منها أعداد المهاجرين من هذه الدولة. ومن الجدير ذكره أن الاقتصاديين والمهتمين في المجال التنموي لا ينظرون إلى أرقام الزيادات في موازانات الدول بأرقام مطلقة. فزيادة الموارد المخصصة على التعليم مثلاً من عام لآخر لا يمكن أن تعتبر زيادة حقيقية إلا إذا نسبت إلى معدل النمو السكاني، إذ قد تكون هذه الموارد الجديدة فقط لمواجهه الزيادة في أعداد الطلاب الجدد المقيدين في مراحل التعليم المختلفة، وهكذا بالنسة لبقية القطاعات الحيوية.
من هنا ظهرت أهمية علم الإحصاء الاستدلالي الذي يتنبأ بالأعداد السكانية المستقبلية بناءً على أعداد السكان الحالية وخلال فترات زمنية طويلة. مما يساعد وزارات التخطيط على الاستعداد للأعداد السكانية القادمة في كل المجالات، التعليم، الإسكان، الصحة وتخطيط المدن وغيرها. وإن أهمال العامل السكاني سيؤدي حتما إلى آثارٍ سلبية كارثية منها البطالة وانتشار المظاهر الاجتماعية الخطيرة التي أشار إليها مالتوس سابقاً، وأخيراً انخفاض جودة الخدمات المقدمة نتيجة لتوزع الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية على عدد أكبر من السكان.