رَســائـِـل فُـــؤَاد_ ج ١
فؤاد آلبوسعيدي
siaq2007@gmail.com
منذ نعومة الأظافر وبداية نموّ عقولنا ونحن نتعلم الكثير من أهالينا ومن أولئك الذين يحيطون بنا في المجتمع، هنالك الكثير مما تعلمناه قد انغرس في قلوبنا منذ تلك السنين الكثيرة وكأنها كانت فصولاً دراسية ولم يغادرنا ما سكن عقولنا بتاتاً منذ ذاك الزمن البعيد، فمن القوانين والمبادئ الحياتية التي أخذنا علومها ونحن صغاراً وما زالت مثبتة بإحكام في عقولنا بل ولم يتلاعب فيها مرور السنين أن تعلّمنا بأنّه ليس كلّ ما تريده ستحصل عليه، ولا كلّ ما سيقع أمامك يمكنك أن تُبسِط وتمدّ يداك إليه إن كنت لا تحتاج إليه في ساعتك تلك، وكذلك ليس كلّ ما هو في متناول يداك يمكنك أن تأكله وتشبع منه حدّ التّخمة، فلقد تعلّمنا بأنّ بعض الأمور تتركها بحالها ليس لأنك عاجزاً عن تناولها بل لأنّ رقيّك أسمى ولأنّ أخلاقك وتربيتك لم تعوّدانك بتاتاً على ملأ معدتك وكأنك لم ترى خيراً من قبل.
لتعلم بأنه أحياناً تأثير الأضرار المعنوية أكثر شدة وقسوة من تأثير بعض الأضرار الجسدية والخسائر المادية، عليك أن تعلم بأنّ عقول وقلوب الآخرين أبداً ما عادت تتّسع في جنباتها لأيّة أضرار قد تتسبّب بها أنت أو غيرك، يجب عليك أن لا تمضي أو تسير على نفس نهج أولئك البعض الذي لا يعي بتاتاً ما قد تسببّه كثرة الصدمات والضّربات التي يوقعونها على الآخرين الذين قد يكونوا صابرون على ما يصيبهم من عمل يديه وسوء أنانية أعماله، فكان من إحسانهم أنهم كتموا ما ألـمّ بهم وامتنعوا عن إظهار تلك الآلام وعوّدوا أنفسهم على تحمّل الشدائد رغم هشاشة صدورهم وقلوبهم الغير ظاهرة للعيان.
بعض تصرفاتنا ونحن نجتاز فيها لحظات أيامنا لا ينقصها أحياناً الزّهو والتفاخر بالنّفس حتى وإن كان ذلك ليس هو الواقع الذي نعيشه، أحياناً قد نعيش حالات من التّفاخر والزّهو التي قد تصل إلى أن توصف بـ(لغرور بالنّفس) الذي إن وصل وتجاوز حدود المعقول إلاّ وتراه قد أصبح وضعاً مدمّراً لمصداقية العلاقات بين الناس وآخرين حتى يكاد أن يُنفِر الجميع من حولنا بسبب ذلك، وكذلك هو حال كثرة المديح للآخرين (بالعامية التّطبيل) فهو كذلك سبباً من أسباب الفساد المجتمعية المختلفة بين الناس لأنّه حقيقة يظهر جوانب غير حقيقية وليست واقعية عن الآخرين الذين قد نؤلف عنهم مديحاً لا يستحقونه أبداً، ومثله الحال كذلك سنقول عن المديح للذات والنفس أي أن يمدح الشخص نفسه بين الآخرين دون وجه حقّ، كثيرة هي المواقف التي نقابلها أثناء تعاملنا مع الآخرين فيتبين لنا في حينها أو بعدها بأنّ الإنسان المادح لنفسه أو أهله أو غيره كذّاباً في معظم أقواله، إنّ المواقف هي ذلك البيان الفاصل الذي سنعرف فيها حقيقة ما نسمعه من بعض الناس وكذلك حقيقتنا أمامهم، ففيها ستجد بأنه كلما قمت بالإكثار من استخدام الــ(أنـا) في أحاديثك مع الآخرين كلَما بان لغيرك كذبك فيما تكون قد أخبرتهم عن نفسك حتى وإن كان ذلك بعد فترات من الزّمان، فلتعلم بأن الشخص الذي يكثر المديح لنفسه وأقرباؤه وعشيرته ستجد بأنّ أقواله في أكثر الأحيان تحتوي على الكثير من المبالغات الغير واقعية التي تزيّن الأحوال بعيداً عن واقعها الصّادق الحقيقي.
حقوق الناس منذ أزل الأزل ومنذ أزمان بعيدة قد كفلتها وحفظتها الأديان السّماوية في كتبها وتعاليمها، وبعضها قام الإنسان بإصدارها لتتوافق مع المبادئ التي من بها قامت الحضارات الإنسانية في العالم القديم والحديث كذلك، من أجل تحقيق العدالة تعمّق جيداً في عبارة (حفظتها الأديان السماوية) ستجد بأنّ هنالك ما هو لك وهنالك أيضاً ما هو عليك يماثله ويساويه، لك الحقوق وعليك الواجبات، من حقوق الآخرين عليك أن لا تكن كذاك الذي قد عوّد نفسه على أن يجعل من بقية الناس مسقطاً ومرتعاً وحقلاً ينجز فيه تجاربه وأهوائه ونزواته ومغامراته الحياتية، لا تكن ممّن يجعل من حياة الآخرين قطعة أرض يزرع فيها ما يشاء، فإن نجحت في الإنبات وفي الحصاد ورأيت ثمره الطيّب قمت بجعله بستاناً عظيماً تملكه فتزيده زرعاً وتحريثاً بما طاب لك من الثّمرات وإن فشلت تركته وهو خراباً ودماراً لا يُسْكَن ولا يُثْمِر ولا يُعمّر من بعدك أبداً.