أين الدفء إذا ابتلت ملابسنا؟!
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
أننشد الدفء إذا ابتلت ملابسنا وتلاطمت بالأمواج سفينتنا، أين الدفء إذا مالت قوارب نجاتنا، أننشد الرحمن أن ينقذنا، ونحن من قام بثقب أخشاب محملنا، ونرجو من الربان أن يرسوَ على شواطئنا.
يحكى أن قوماً قاموا ببناء سفينة من الأخشاب وأتقنوا صناعتها، وابدعوا بتجميل هيئتها، سارت السفينة في عرض المحيط تحمل الخير وتجوب أقطار العالم لتجود بالخيرات من الأمتعة وكل ما لذ وطاب، وهي في طريق العودة أشتد البرد وتجمدت البحار لتتجمد معها السفينة وترسو على جبل الجليد، فهبّ طاقمها طلباً للدفء، فأشعلوا النيران من أخشابها، ونالوا ما أرادوا من الدفء حيث شعروا بالراحة، إلا أن تلك النيران أذابت ما حولها من جليد، نهضوا بعد ذلك ليكملوا رحلتهم إلا أن تلك السفينة لم تكن كما كانت، أصبحت مثقوبة من كل الجهات، لتهبط نحو القاع رويداً رويداً. مع مرور الوقت وشروق أشعة الشمس أصبح الوضع أكثر خطورة فما عساه الربان أن يفعل؟ وما الحيلة لطاقمها؟ لجؤوا بالدعاء ولجوا في الطلب، وارتفعت أصواتهم لرب العباد طالبين الإغاثة فمن المغيث إلا سواه، السفينة تغرق في عرض البحر ولا أخشاب يمكن أن يحصلوا عليها ليغطون بها تلك الثقوب، كالوا على بعضهم البعض وتبادلوا اللوم والاتهامات على ما فعلوه ولكن لا جدوى ولا فائدة، مرت عليهم سفينة محملة بالأخشاب رفعوا أيديهم وتعالت أصواتهم طلباً للإغاثة، اقتربت منهم السفينة وطلبوا منها الأخشاب، قال لهم ربانها اعطوني ما تحملون وأعطيكم الأخشاب، فعلوا ما طلب منهم صاغرين وحملوا ما يملكون كل ما لذ وطاب وكل الخيرات وهم صاغرين، سلموا ما لديهم واستلموا، وبقوا بلا زاد ولا شراب، أعادوا هيئة سفينتهم وأبحروا نحو بر الأمان ولكن لا أمان يوصلهم نحو الشطئان، فقد كانت الأخشاب التي سدو بها الخلل مهترئة بالية، تسربت المياه إلى الداخل لتعود السفينة نحو الإنحدار إلى أسفل القاع على مسافة بعيدة من الشاطئ، قفز بعضهم طلباً للنجاة مصارعين الأمواج غير سائلين عن سفينتهم، غرق من غرق ونجى منهم ثلة قليلة لتغرق السفينة هي الأخرى بما فيها، لتضيع أحلامهم بسفينة مرقعة غارقة، فمن وصل منهم تكتم على ما حدث لتطوى قصة السفينة العظيمة المحملة بالخيرات بعد أن خسرتها لصالح سفينة أخرى.
العبرة من القصة أن الكفاح يحتاج إلى صبر وتحمل للمشقة، وحسن التصرف باختبار الزمان والطريق السليم للعودة بالثروات، ولا بكاء على اللبن المسكوب، فإن كلفت بمنصب كن الأمين، فإن كنت لا تملك القوة فبالقوي استعن، هل اتضحت ملامح القصة والعبرة التي أنشدها؟.
كل ذلك نحتاجه لنصل إلى بر الأمان ونحقق الأهداف، إضافة إلى عدم استغلال المكانة والإمكانات، ومحاربة الفساد والتكاتف نحو تحقيق المبتغى، أين الدفء إذا ابتلت ملابسنا والشتاء قارس؟!.
التخطيط السليم يقود إلى النجاح، فإن لم نتكاتف ونضع أيدينا بأيدي بعضنا البعض سنفقد الكثير وعلينا بالصبر وإتقان العمل، وإلا سيؤول حالنا كحال السفينة التي لم يحسن طاقمها التصرف ولم يتحلوا بالصبر، بل نخروها ليحضوا على لحظات الدفء المؤقتة.
حينما نكون في موقع ما علينا تقديم النصح والمشورة وعدم السكوت على المخالف ولا نرضى بأن نكون تكملة للعدد، وإمعات ننفذ ما يطلب منا بدون معرفة أو تخطيط للمستقبل، كيف تطير خيرات البلاد إلى خارجها ويوجد بها ما لا يعد ويحصى من خيرات؟! إلا إذا كانت سفينتنا مثقوبة رقعت بأخشاب بالية فآلت للسقوط، يجب أن لا نستسلم ونعيد ترميمها من جديد، وأن ننهض بشبابنا نحو مستقبل واعد بقيادة حكيمة عادلة، لها رؤية ثاقبة، وسنحقق ما نريد بإذن الله.