تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

المدرسة حياة الكلمة … الإرشاد سر السلوك

د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني

في أول يوم استلمت فيه العمل بعد نقلي إلى هذه المدرسة وما أن هممتُ بترتيب أوضاعي حتى فاجأني أحد العاملين بأنبوبٍ بلاستيكيّ، وحذاء ودوربين ( مناظر رؤية) وأقراص من الدواء، أثار ذلك استغرابي ودهشتي فلم أتعوّد على مثل ذلك في المدارس التي عملت بها، فقال: لا غرابة ولا هُم يحزنون، فلكلّ واحدٍ منهم مهمته في العمل، قلت: وما هي؟ قال العصى للجري وراء الطّلاب وإخراجهم من الفصول لحضور الطابور،ثمّ صفّهم في صفوف.
والمنظار لمشاهدة الطلاب الخارجين خارج المدرسة واللحاق بهم.
والحذاء يُلبس لتسهيل الحركة أثناء اللحاق بالطلاب ومطاردتهم.

أما أقراص الدواء فهي لإعطاء الراحة النفسية والاسترخاء بعد جهدٍ كبيرٍ وعناءٍ شديد.

ينظر الآخرون إلى أن الإنجاز وسعادته بالجهد الكبير للمسؤول وأداء شيءٍ يُرى، كالصراخ في وجه موظف أو الذهاب لمشاهدة العاملين في مكاتبهم أو صفوفهم إن كانوا معلمين ومعلمات، كل ذلك يجعله أكثر سعادة ً ونجاحاً كما يرى، وهو في الحقيقة يرتكب خطأً كبيراً وفعلاً غير محمود يهوي بالمؤسسة إلى القاع، ويتّجه بها إلى الركود ويبعدها عن المنافسة ويعمّق في نفوس العاملين فيها سياسة القطب الواحد فلا يعمل إلا هو، ولا يضبطُ إلا هو، ولا يفكّرُ أحدٌ سواه، وتبتعدُ المؤسسة عن المنافسة ولا تهتمُ لرضا المستفيد،
ويفقدُ العاملون الحماس ويبتعد عنهم الشغف ويواكبهم الإحباط والسأم، فيهملون المؤسسة ويعملون على دمارها وخرابها وذلك أمرٌ يسري على المدرسة كونها مؤسسة تربوية تعليمية.

إن أنجع طريقةٍ لتعديل السلوك السلبي وإطفاؤه هو الإرشاد والتوجيه إذ يُعتبرُ النصحُ أسلوباً قيّماً ومجالاً خصباً لإعمال العقل والأخذ بالفكر والفكرة والإقتداء.
﴿فَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالَةَ رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم وَلكِن لا تُحِبّونَ النّاصِحينَ﴾
[الأعراف: ٧٩] إن وجود مركز أو دار للإرشاد في المؤسسات التعليمية أمرٌ في غاية الأهمية، يعمل على توجيه سلوك الطلاب وتعديله من خلال برامج معدّة، تعتمد على البيانات التي تمّ جمعها ومن ثمّ وضع الخطط والبرامج الإجرائية التي تعمل على تحسين سلوك المستهدفين ودعمهم ليكونوا قادرين على التحكم في نفوسهم، ذوي إرادةٍ وعزيمةٍ وهمّة، ويتمّ ذلك عن طريق تبصيرهم بقضايا العصر وتحدياته وكيفية الاستفادة من الفُرص وتحويل نقاط الضعف إلى قوة، والعمل على استغلال الوقت وإدارته وتنظيمه والعمل على تحقيق الأهداف وتوظيفها، ويمكن أن يكون ذلك بعرض الأفلام الهادفة والحافزة والمثيرة للدافعية، وكذلك الاستفادة من القدوات في برامج حوارية تساعد على إبراز طاقات الطلاب وتفجير هممهم وزيادة شغفهم.

هناك من يعتبر الأمر عاديا وسهلاً ولا يحتاج لمثل هذه الدار التي تُعنى بذلك فليس هناك أقوم وأصحّ للناشئة من تغذية النفس، وزرعها بالمكارم والأخلاق وتحصينها ضدّ كل ثقافةٍ واردة لا تتناسب مع مبادئ الدّين والعقيدة، والتي لن تُرفض، وسيستحسنها المجتمع لتصبح سائدةً في ظلّ انحلال الأسرة الممتدة وشيوع الأسرة النووية التي اعتمد فيها الطفل على تنشئة العاملة المنزلية فتأثر بها في ظلّ ضعف تأثير الوالدين.

فالأخلاق يتخلّق بها الطفل من صغره، ومنهجٌ يسير عليه في حياته تُغرس في النفس وتتعهد بالمتابعة، وفي ذلك يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي:
هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات

إذا سُقيَت بماء المكرماتِ

تقوم إذا تعهدها المُربّي

على ساق الفضيلة مُثمِرات

وتسمو للمكارم باتساقٍ

كما اتسقت أنابيبُ القناة

تناول العمانيون مسألة الإرشاد في أشعارهم كَون الشعر وسيلة الاتصال الأمثل ذلك الوقت، فقد قال الشيخ القاضي عامر بن سليمان الشعيبي:
تجنّب رذال الناس يا نسل الأجواد
وسلك طريق الهادي للرشادي
وسمع نصيحة عاقل إن كنت نشّاد
نصايح خزنةٍ في ضامر فوادي
وضحكٍ يجي في حضرة الوجه ما فاد
كم ضحكةٍ تحرق صميم الحيادي
أحسن جهنم عن مخاواة الأوغاد
وعن صحبة الجاهل ملاقى الأعادي
من رابع الأنذال يحسب نذل عاد
لو يكون جدّانه ثمودٍ وعادِ
ومن رابع العقال مالعقل يزتاد
لو يكون عبدٍ مكتسي بالسوادي
الفخر مبْ هوْ بالثناء والتمجّاد
ولا بالعمامه وطول الجدادي
الفخر لي يبسط الكف بالزاد
بالسيف والضيف ومد الأيادي

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights