2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

ملكة جمال اللغات

راشد بن حميد الجهوري

وروادتني عن ذوقي تلك الراقية، فصاح الخيال: معاذ الله يا جارية!، فقامت شواهدها غاضبة: رويدك يا متذوق.. إنها ملكة جمال…
فقاطعت الشواهد والشهود، ونثرت الرياحين والورود، وقلبت طرفي في ديباج فستانها المنقوش، وتاجها المنحني على شكل (ض)، وكأن النقطة عليه تقول: هو للملكة عنوان، ولا يجري على كل لسان.
فدفعني الفضول إلى قراءة بعضاً من السيرة الذاتية لهذه الملكة رفيعة الشأن، ولم ألبث أن اقتربت من قصرها المنيف حتى رأيت مطالع المعلقات تتدلى من الشرفات، ولم أتمالك إلى الوقوف عند (قفا نبك)، ولم أتحرك إلا بعد أن قرأت (ودع هريرة إن الركب مرتحل)، ولا أدري هل غادر الشعراء أم لم يغادروا؟!، ولكن بكل تأكيد تركوا آثاراً (طال عليها سالف الأبد)، وسرح الخيال قليلاً بصمت مع (أمن أوفى دمنة لم تكلم)، ثم طلع الصباح على نداء عمرو بن كلثوم (ألا هبي بصحنك فاصبحينا)، وعند ذلك جاءت فرصة الدخول من بوابة أسوار القصر بعد أن جاءت الإشارة (تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد).

وفي حديقتها الغناء كانت نافورة (معجم العين) تبهج الناظرين، وظلال أغصان شجرة (لسان العرب) تظلل طريق الباحثين، ولم تزل بلابل الدوح تصدح بكل لفظ فريد، ومعنى شريد.

وهناك على الجانب الآخر من أسوار القصر تسمع صوت أمواج بحور الخليل، ووقع حوافر فرس الملك الضليل، وبين هذا وذاك مساحة من الخيال الواسع يشمل بألوانه صورة البدر، وجفول الظبي، وعيون المها، وبيداء المتنبي، وقبس نار حاتم، وثأر المهلهل، ودموع الخنساء، و…، وقاطعني صوت من الأمس القريب يخبرني بأن جمال هذه الفاتنة لا يزال شباباً لم تغيره عوادي الزمن، ولم تخفي نضارته عواصف المحن، ولكنه يحتاج من أبناء ملكة جمال اللغات أن يكدوا أذهانهم في الرقي والعناية بها، وهم الفائزون بأي إنجاز يرفع قدرها.

ولكن بيان الملكة جاء حاسماً وعتابها قوياً على لسان حافظ إبراهيم:
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي
رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
رويدك أيتها الملكة ذات الجمال الأنيق ما زال فرسانك على سرج خيول تشبيهاتك متوثبين، وعلى ثغور استعاراتك حماة متربصين، وبأيديهم حراب البديع، وسهام السجع، وأقواس الطباق، وإن تراجعوا حينا فإن طبيعة السجال كر وفر.

وختاما: كل القصائد مهما قيلت في حقك يا لغة الضاد ناقصة، ولكن يكفيك شرفاً وخلوداً أن كنت لغة القرآن العظيم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights