ضجيج وفوضى إعلامية (نحتاج إلى هدوء)
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
تحدثت في مقال سابق عن “تويتر العظيم” فقلت عالم التويتر يختلط الجاهل بالعاقل.. هرج ومرج وجدال عقيم وكل خائض يخوض.. شلل وعقليات تكونت وتعاضد البعض على البعض، حيث البيئة الخصبة لإنتشار الإشاعة وترويجها وتصديقها وإعادة نشرها، مواضيع لا داعي لها وجدل محتوم، وفي المقابل نصح وإرشاد وثقافة وعلوم، حيث أصبح هذا التطبيق عالم كبير سكانه المغردون الذين يتناقلون الأخبار ويناقشونها، إما أن يدخل الأهوج المعتوه ويلفظ أنفاس الحياء والخجل وإما أن يدخل العاقل الذي يشع حكمة وهدوء، ستجد العديد من هذه الأشكال والأصناف من البشر، عالم مأهول سكانه مختلفون وإن كان البعض منهم على وفاق والوفاق نوعان بعضهم يتفقون على الظلم ويجرون إمعاتهم نحوه ومنهم من يضيئون العالم بحكمتهم وإعتدالهم، فيهم الأذكياء الأتقياء الأنقياء وفيهم البلهاء التابعون بلا رشد ولا فطنة، ومن خلال هذا العالم تجد المحللون والسياسيون والرياضيون، عالم به ينتشر الهرج والمرج وتكثر فيه المهاترات.
ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة الكل ينتقد، يحلل ويفسر الأحداث، ويتغنى بمصادره الموثوقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكما يفضل البعض وصفه ب(الإعلام الجديد)، الكل ينتقد والبعض يتحدث بما يراه وحسب معرفته وفهمه للأحداث، والبعض لا يعرف عن هذه الأحداث إلا رؤوس الأقلام، وقد يكون أخذها من جلسات الأصدقاء أو زملاء العمل، وتجده يغرد برأيه وينتقد ويقترح الحلول أحياناً، كل ذلك والبلاد تمر بمرحلة تحتاج فيها إلى الهدوء لا لتأجيج وتهييج وإثارة الرأي العام، فالوضع لا يحتمل ولا مجال لإستغلال هذه الوسائل لبث الجرعات السلبية ومزيداً من الإحباط ، الجميع يعلم بما تمر به السلطنة وما هي الأسباب، وإن كنا نتغنى بالوطنية في جميع شعاراتنا حان الوقت لإثبات ادعاءاتنا، ونقف صفاً مع الوطن وتأييد قيادتنا والسعي نحو تحقيق الأهداف، هنا لا أقصد بالتوقف عن النقد إنما لا يجب على كل من (هل ودب)، ولكن للنقد من هو متخصص وعلى دراية بطرق سليمة للطرح البناء المنشود منه تحقيق الأهداف والوصول إلى الغاية المبتغاة، لا أن نستخدم الوسيلة التي بين أيدينا والتي مكنتنا منها التقنية الحديثة بسهولة استخدامها وطرح كل ما يحلو لنا، فلذلك تبعات لا يمكن التنبؤ بها، خصوصاً أن بعض المشاهير لديهم عد كبير من المتابعين وفي ذات الوقت يملكون قوة التأثير، وللأسف البعض أصبح مشهوراً ب(تفاهة المحتوى) فهو لا يقدم شيئا مفيداً، بل (السذاجة) هي من أوصلته لهذه الشهرة، فلا يلتف الذباب إلا على القذارة، (أعزكم الله)، فهل نقتدى بمثل هؤلاء؟
وهل نتخذهم قادة للرأي العام؟
أعتقد أنه آن الأوان لتنظيم وتصفية هذا الفضاء من هذه الأشكال التي لن تفيد الوطن، وأن يأخذ الإعلام دوره الحقيقي وأن يواكب قطاعات التنمية وتوجيه الرأي العام بتسيّد الموقف من جديد، فالإعلام هو من يجب عليه رسم خارطة الطريق وأن يكون المحرك الرئيس والأبرز خلال هذه المرحلة، فإدارة المؤسسات الإعلامية يجب أن تكون مواكبة لسياسة البلد وتوجهاته، فلا يجب أن يترك مجالاً لغيره من وسائل الإتصال أن يصطنع المشكلات ويثير الضجيج والمهاترات، وأرى بأن تقلص مساحة الحرية التي لا فائدة منها، وأن لا يسمح لكل من تطفل على الإعلام بحجة أنه مشهور أن ينصب نفسه وصياً على المجتمع وهو في كافة أطروحاته لا تجد أي اتزان، نعم الإعلام سلاح ذو حدين وإذا ما وقعت الوسيلة في يد (الأهوج) يشبه حال السلاح في يد (الأهبل)، فالإعلام ليس نشرة أخبار، أو برنامج تلفزيوني، أو تحقيق في صحيفة، أو مقال أدبي، الإعلام هو مؤسسات تحتاج إلى إدارة حكيمة لديه رؤية ورسالة يحققها بجميع ما ذكر، إضافة إلى القوالب الإعلامية الأخرى من فن ودراما وغيرها من فنون الصحافة والإعلام، تسعى نحو مواكبة تحقيق الأهداف والإنجازات في كافة القطاعات، من صحية، وتعليمية ، واقتصادية، وثقافية، ورياضية، وتنموية، سياحية، إضافة إلى المساهمة في تحقيق الأمن والأمان، لذا نحتاج إلى رسم سياسة حديثة للإعلام، وعدم السماح للمتطفلين بالولوج إلى هذا العالم فهم مخربون ولا يستهدفون سوى الربح والشهرة، فقط يجب إنتقاء الصالح منهم، للإستفادة من المحتوى المفيد والذي يساهم في البناء، وبالفعل نحن نحتاج إلى هدوء لنعمل، لا ضجيج وعشوائية.