الخرافة… تنتشر بين الناس وتؤثر على المجتمع
الحسيني: يُعاملون العين والأذن كأنها جهاز حساس يمكن أن ينبئنا بالمستقبل!
الخاطرية: الخرافة تضفي للموضوع القداسة والتصديق
الزعبي: التفكير الخرافي هروب من الواقع
تحقيق: أماني سيف
إن الخرافة من الأمور التي ليس لها من المنطق ولا الصحة سبيل، فقد تُبنى على أوهام وتنتشر بين الناس لأسباب عِدة منها الجهل وقلة الإيمان، وقد كانت عمان -كغيرها من الدول- تنتشر فيها هذه الخرافات بل وتعلق في أذهان جميع الناس حتى الفرد المثقف منهم. إن هذه الخرافات كانت بمثابة المُفسر الذي يوضح أسباب حدوث الأمور الغريبة للأشخاص، فالإنسان يميل دائمًا لتفسير الأمور التي لا يجد لها سببًا في عقله وغالبًا ما يفسرها بأشياء غير منطقية فتنشأ هذه الخرافة ويُؤلَف قصص وروايات حولها فتنتشر بين الناس وتجد صداها للعلوق في الأذهان.
ولكون الخرافة مؤثرة على المجتمع، قمت بتحقيق للكشف عن وجودها في السلطنة، وتوصل التحقيق إلى أن الخرافات لا زالت منتشرة إلى يومنا هذا في مختلف مناطق السلطنة بل وتؤثر على المجتمع.
قال أحمد الحسيني وهو أحد أبناء ولاية “إزكي” في محافظة الداخلية: إن الخرافات تنتشر في المنطقة بشكل كبير جدًا وإلى الآن لازال يؤمن بها بعض الناس، حتى أن بعض الأفراد لازال يخاف من الخرافة وكأنها حقيقية، فمثلًا تنتشر معنا الخرافات المتعلقة بالتطّير كأن يقول أحدهم إن عَطس شخص ما في المقبرة فهذا يعني أنه سيموت، فالعطاس في المقبرة نذير شؤم، كما تنتشر خرافة رفرفة العين في أغلب مناطق السلطنة، فإن رفت العين اليمنى فهذا يعني أنه سيحدث لديك أمر سيئ في الأيام القادمة، أما إذا رفت العين اليسرى فإنه سيحدث أمر حسن، وكذلك هو الحال في طنين الأذن فإن كانت الأذن اليمنى فإنه هناك شخص يقول عنك كلام سيئًا وإن كانت اليسرى فإنه هناك شخص يتكلم عنك بالخير، فهم يعاملوا الأذن والعين وكأنها جهاز حساس يمكن أن ينبئَنا بالمستقبل.
كما أضاف الحسيني أنه يوجد في “إزكي” كهف أسطورة ويسمى كهف جرنان ويوجد هذا الكهف منطقة “نزار” إذ دارت على هذا الكهف الكثير من القصص الخرافية وأشهر قصة هي تلك التي تقول إنه يوجد في هذا الكهف صنم يسمى “جرنان” مصنوع من ذهب، حيث كانوا الناس يعبدوه في زمن الجاهلية وعندما أتى الإسلام إلى عمان قاموا بوضع هذا الصنم في الكهف وقاموا بوضع تعويذات بحماية الجن والشياطين لتحمي هذا الصنم من السرقة. وأكد الحسيني أن هذا الكهف مغلق ولا صحة لما يتم تداوله إذ أن نهاية الكهف مغلقة ولا يوجد مكان لدخول فيه لوضع صنم ضخم، وكل هذه الخرافات ما هي إلا قصص قديمة لا صحة لها أبدًا.
ويضيف الحسيني أن هناك أساطير في بلدة “القريتين”، كوجود حفر مسكون، فكل من يسبح فيه فإن الجن تسحبه ويموت. وقد توفي بعضًا من العمانيين وقالوا إن الجن سحبتهم من خلال الدوامات التي تحدثت في الحفر وتوفوا غرقًا. وأكد لحسيني: لا أصدق كثيرًا مما قيل حول تلك الخرافات لأنه يوجد هناك تفاسير علمية حول نشأت تلك الدوامات في الحفر يجب تتبعها ونشرها لناس لتغير تفكيرها، ولكن تبقى هذه الخرافات من الموروثات التي ورثها الأجيال.
وقالت إلهام الخاطرية والتي تسكن في ولاية “بهلاء” في محافظة الداخلية: إني ولدت في “بهلاء” وكل الناس قد أخذت فكرة عن “بهلاء” بأنها بلاد السحر! وكثير من الأحيان أسمع كلمة: هل أنتِ ساحرة! وتعقدت من هذه الكلام إلا أنني أدركت أن منطقة “بهلاء” معروفة منذ القدم بالسحر ووجود السحرة. فكل هذا كان موجود قديمًا ولا أنكره ولكن أنكر ما يقوم به بعضًا من الناس في تصديق الأوهام التي لا صحة لها البتة.
وأضافت الخاطرية أنه تنتشر في “بهلاء” ما يسمى “بالضبعة” وهي حيوان لا يوجد في عمان إلا نادرًا ولكن الناس ألّفوا حوله قصص وخرافات فمنهم من قال إن الضبعة هي دابة الساحر، وأنك إن شاهدت هذا الضبعة فأغلق الأبواب!! ولا صحة لهذا للكلام، فأنا منذ وجودي في “بهلاء” لم أشاهد هذا الحيوان أبدًا.
وكذلك تنتشر خرافة صوت الثعلب، فيقول إن سمعت عواء الثعلب فإنه سيموت من سمعه أو يموت أحد من أهله، وحقيقة لا أعرف كيف أصف هذه الخرافات ولكن يمكن أن نفسرها أنها قلة إيمان بالله تعالى والجهل المنتشر في المنطقة فالجهل يجعل الناس تصدق كل ما يقال عن الشيء دون أن تُعمل الحس النقدي فيها. ويمكن أن نقول إن هذه الخرافات ما هي إلا أوهام اخترعها الناس بسبب جهلهم فهم كانوا يريدون أن يفسروا أي شي وكل شيء يحدث أمامهم فعمدوا إلى الخرافة لتضفي لها نوعم من القداسة والتصديق وتنتشر بين الأجيال وتعلق في عقولهم فتلك القداسة تجعل الخرافة عالقة مع الناس.
وأكدت الخاطرية أنه لا زالت هذه الخرافات منتشرة في بعضٍ من قرى بهلاء ولكنها ليس بشكل كبير مثل السنوات الماضية، وتأمل الخاطرية أن تختفي كل هذه الخزعبلات وأن تستبدل بالتفكير العلمي والتفسيرات المقنعة التي يمكن للعقل تصديقها، فكثير من سكان “بهلاء” الآن مثقفون ويحاولون محاربة بعض من هذه الخرافات.
وقال سهيل الزعبي دكتور في علم الاجتماع النفسي في جامعة السلطان قابوس: إن الإنسان مارس عددًا من أنواع التفكير وكان أقدمها التفكير الخرافي، والذي ظهر مع وجود الإنسان على هذه الأرض وقبل نزول الأنبياء والمرسلين والديانات، وللأسف الشديد لا زال هذا التفكير سائد في مجتمعاتنا العربية والشعوب.
وتلك الأفكار الخرافية لا منطق لها بالتفكير العلمي ما هي إلا أفكار بالية تم إنتاجها من عدة أمور وقد يكون أول أمر هو قلة الوازع الديني والجهل وانتشار الفقر، وقد اشتركت المجتمعات العربية بشكل عام بهذه الظروف مما أدى إلى انتشار الخرافات والأساطير فيها. فالخرافة هي هروب من الواقع إلى الخيال والغوص في مشكلات أكثر دون السعي لوجود حل جذري، الأمر الذي يجعل المجتمع فيه هشاشة ولا يتقدم لأنه متقوقع على أمور لا صحة لها وعلى خيالات لا منطق لها، لذلك لابد من أن يتخلى المجتمع عن هذه الأفكار الموروثة لكي ننهض بالمجتمع ونصل لأعلى المراتب.
وأضاف الزعبي: لا يمكن أن نصل لهذه المراتب العليا بوجود التفكير الخرافي، لذا لابد من النظر إلى العلوم والسعي لتغير التفكير الخرافي إلى تفكير علمي، وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث في يومٍ وليلة، ولكن بالعلم وبالسعي في طلبه وتوعية الناس سيقودنا إلى تغير المجتمع وتفكيره.