2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

لقد هَـرِم فارحموه

خميس بن محسن البادي

منذ بواكير بزوغ النهضة العمانية السامية التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- رحمة الله تعالى عليه- وقّعت الحكومة اتفاقية إنشاء طريق الباطنة ذات المسارين باتجاهين متقابلين والممتد من مسقط العامرة إلى صحار الشامخة ومنها إلى الأطراف العمانية بولاية شناص (خطمة ملاحة) – بمبلغ تسعة ملايين ريال عماني (إن كانت الذاكرة حليفتي لذلك)-، ما لبث أن تلاه بعد ذلك المسار الآخر (شناص/ مسقط) في مطلع عقد الثمانينيّات من القرن المنصرم والذي أصبح سالكاً لمستخدميه في العام (أربعة وثمانين وتسعمائة وألف للميلاد) ليكون بذلك كما أظن أنه أول طريق عام مزدوج في السلطنة بهذه المسافة والذي يعرف اليوم بطريق الباطنة العام.
إذاً لنقل أن أكثر من خمسة وأربعين عاماً مضت على المسار الأول من هذا الطريق (مسقط/ شناص)، وقرابة الأربعين عاماً على رديفه المسار الآخر (شناص/ مسقط) وهو في خدمة مختلف وسائط النقل التي تزداد بشكل رهيب يوماً بعد آخر، لا سيما الشاحنات التي نجدها تسير فرادى ومثنى وثلاث ورباع وحتى جماعات، مشكّلة بذلك عِقْداً طويلاً قَلّ ما تنفرط منه إحداها والتي تدك ظَهْر ذلكم الطريق على مدى اليوم والحول من غير انقطاع أو راحة، حتى شاخ وهرم وأكل عليه الدهر وشرب فلم يعد باستطاعته الصبر والتحمل وقد تقطعت أوصاله وتحطمت أركانه وتهدمت أكتافه وضاق ذعراً بالحمل الثقيل فلم يعد يحتمل صبراً، فلقد هَرِم فارحموه وخففوا حمله وانقذوه..
حيث يستغيثكم برجاء مناشداً بكلمات الأبيات الشعرية للشاعر اليمني حسين أبي بكر المحضار- رحمه الله-، الذي قال:-
يا حامل الأثقال خففها شوي ذا حمل ما ينشال عاد النجد قدامه حسر وجبال
يا مصعب مناله الصبر يا رجال بكره تنفرج ويحلها الحلال
والمقصود يتحقق مع الآمال يا الله بالجمالة هل عادني على البال
أو قدني وبس في سلة الإهمال ..

إن المستخدم لهذا الطريق الكهل يدرك تماماً مدى المعاناة التي تتوجب معها يقظته وحرصه الشديدين أثناء سيره نظراً للكثافة المرورية فيه، وللشاحنات هنا بأنواعها الدور الأبرز في التسبب في الزحام الشديد الأمر الذي يسبب قلقاً وتوتراً وإرباكاً لدى بعض السائقين من مستخدمي الطريق سائقي المركبات الخفيفة، وذلك لعدم تقيد البعض من قائدي تلكم الشاحنات بالسرعات المحددة لها باعتبارها مركبات ثقيلة وعدم التزام سائقيها بمسارها الأيمن ومزاحمة سيارات الركاب في التجاوز، كل ذلك له من السلبيات والعواقب الغير محمودة الكثير نظير تلكم التصرفات الرعناء المتكررة التي يفتعلها سائقي الناقلات من جهة وزحامها المستمر من جهة أخرى، يذكر أن بعض الدول منعت سائقي الشاحنات من التجاوز نهائياً ووضعت جهاتها المعنية عقوبات رادعة بحق المخالف منهم.
وإن ديمومة استخدام الشاحنات لهذا الطريق من شأنه أن يعجّل من القضاء على ما بقي له من العمر المتهالك أساساً، وهو الطريق الحيوي الذي يربط بين ولايات وقرى محافظتي الباطنة والذي يستخدمه عشرات الآلاف من السكان في تنقلاتهم لقضاء شؤون حياتهم اليومية، ونحن نعلم أن الشاحنات بأوزانها وحمولاتها الثقيلة هي السبب الرئيسي في إهلاك الطرق كما هي حالة هذا الطريق اليوم، أضف إلى ذلك ما قد يحدث للسيارات من أضرار نتيجة تهالك وتآكل وتشقق الإسفلت وما قد ينجم عن ذلك من حوادث مرورية بصرف النظر عن جسامتها، ولعل الشواخص المرورية والحواجز المعدنية التي تئن مما أصابها دون أن يتم إسعافها واستبدال الغير نافع منها والتي تُرِكَت تقاوم آلامها وجراحها وعاهاتها المستديمة وهي طريحة الأرض بموقعها، دليل على ما يقع من حوادث مرورية لأسباب مختلفة لا شك، لكن الكثير منها مؤكد أنه وقع نتيجة مضمون حديثنا هذا، وقد كان لنا مقال سابق بشأن الشواخص والحواجز المعدنية عبر هذه الصحيفة بعنوان –شواخص على الطرق تلفظ الأنفاس- وللأسف نراها ما تزال تتوجع في مكانها.
وبذلك نوجه نداء إلى جهاز شرطة عمان السلطانية الموقر والجهات الأخرى ذات العلاقة بالوقوف على الموضوع وتدارسه من جوانبه المختلفة للعمل على إلزام الشاحنات بأنواعها على اتخاذ طريق الباطنة السريع مساراً لها حتى بلوغ مرامها، دون النظر إلى الأعذار التي يتذرع بها السائقين بعدم وجود الخدمات فهي كذلك أيضاً ليست في متناولهم على جوانب هذا الطريق، وأن ذلك أمراً يمكن التغلب عليه من خلال وضع اللافتات اللازمة بمناطق الاستراحات المخصصة على طول جوانب طريق الباطنة السريع، يُبَيَّن من خلالها كيفية إمكانية التواصل مع صاحب الخدمة وعنوانه والتي ينشدها السائق سواء من حيث أعطال الإطارات (انفجار الإطار) أو الخدمات الميكانيكية والفنية الأخرى وكذلك خدمة قطر المركبات وخدمة مساعدة الطريق التي تقدمها بعض الشركات، فكل ذلك صار متاحاً مع وسائل الاتصال وسرعة نقل طلب الخدمة والنجدة والوصول إلى موقع عطل الشاحنة/المركبة حال حدوثه- لا سمح الله-، والعمل على عدم السماح لسائقيها بالتجاوز ومزاحمة المركبات الخفيفة في مساراتها على كافة الطرق العمانية، على أن يأتي بعد ذلك دور المحافظة كلا في نطاق اختصاصه المكاني بالتنسيق مع جهات الاختصاص بصيانة طريق الباطنة العام وإعادته شاباً يافعاً تسير عليه المركبات الخفيفة فقط وهو يزهو بحلته القشيبة.. حفظ الله عُمان وأهلها من كل سوء..

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights