تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

أوجه الوقف في الماضي (المرأة العُمانية أنموذجًا)

محمد بن سالم الجهوري

الدور الفعال للمرأة يتجدد ولا يتبدد فلم تكن في الماضي بمعزل عن الأعمال التطوعية والشراكة المجتمعية إلى جانب الرجل. كما أن تمكين المرأة لم يكن وليد الحال بل كان لذاتها في كل مقام مقال؛ كونها مدرسة تربوية واجتماعية تعددت فيها الصور الحياتية وتنوعت معها الأفعال والأعمال في المساهمات اليومية التي كانت تقوم بها، كما أنها كانت قاعدة وركيزة رئيسة من ركائز التواصل بالسؤال عن الحال وطريقة صرف الأموال (الزراعية والنقدية)، لتقديم العون، ومما قد يتوفر سواءً كان غذاءً أو أداةً قديمةً أو كلمةً مُعينة تُعين بها أسرة في أمس الحاجة إليها ملبية بذلك النداء رافعة كف العطاء. فكانت هذه الجوانب ذات دلالة واضحة على النظرة الإدراكية، والفكرية التي كانت حاضرة لديها رغم الظروف المحيطة وشح الموارد وصعوبة الحياة ذلك الزمان. ولم يقتصر الأمر على الممارسات اليومية بل كانت النظرة الممتدة حاضرة في التكافل التي برزت في لوحة رسمتها يد البناء التي تحلت بها، فكان لها ما كان من أفق واسع بما يدفع الضرر ويسدُ الحاجة ويفرح النفس بأن تضع شيئًا مما تملكه من القلة أو الكثرة في أوجه الخير وقفًا لوجه الله سبحانه وتعالى، فذلك القليل هو كثير باق كعطر الإحسان الذي يبقى برائحته مدى الأزمان بعيدًا عن طي النسيان، فكيف كان السبيل إلى ذلك؟

تمثل ذلك بالوقف وجاء في المعجم الوسيط أن الوقف في “الدار ونحوها أي: حبسها في سبيل الله”. وقد ورد في التاريخ الدور الكبير لمساهمات المرأة في المجالات الوقفية التي جسدت لمساتها الخيرية في مختلف المجالات. وكما نعلم أن الوقف يُعد قاعدة هامة للتكافل والتكامل المجتمعي لما فيه من منفعة عامة ودلالة واضحة على ترابط، وتعاون يطال جميع شرائح المجتمع في المجال الديني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي؛ ليستفيد منه الجميع وبالأخص السائل وعابر السبيل وينتفع به المحتاج واليتيم، ولم يقتصر على ذلك بل شمل الوقف المساجد والمدارس وغير ذلك من ركائز هادفة للبناء ومنسجمة مع العطاء. كانت المرأة إلى جانب الرجل ذات دور هام وملموس في الأعمال الخيرية التي تجسد طبيعة التكافل المجتمعي المترابط حيث شاركت المرأة العُمانية في الجوانب الوقفية قديمًا وحديثًا، ولعلنا في هذا المقال نركز على التاريخ الذي أبرز دورها قديمًا رغم قسوة الحياة وصعوبتها إلا أنها كانت مثالاً للتحدي وإزالة العقبات والتضحية بما كانت تملكه لخدمة مجتمعها.

وهذا ما أشارت إليه العديد من الوثائق والوصايا التي احتضنها الإرث الحضاري العُماني ومن أمثلة هذه الوثائق لا الحصر ما جاء بوثيقة يوم 28 من شهر جمادى الأول 1322هـ أنها أوصت: (بأربعة قروش فضة افرنسيات من مالها بعد موتها يفرّقن على الفقراء عمّا لزمها من زكاة حليّها، وبثلاثة قروش فضة افرنسيات من مالها بعد موتها لفقراء المسلمين عمّا لزمها من ضمانٍ)، وجاء في وثيقة بتاريخ 25 الحجّ 1316هــ أوصت: (بقرشي فضة من مالها بعد موتها لأقربيها الذين لا يرثوها، وأن يؤجر من مالها بعد موتها من يقرأ القرآن العظيم)، وأشارت وصية بتاريخ يوم 17 من شهر شعبان 1340هــ: (بثلاثين قرشًا فضة افرنسيسيا من مالها بعد موتها لفقراء المسلمين)1. كما جاء بوصية مؤرخة بتاريخ اليوم الخامس من شهر محرم 1194هـ أوصت بـ: (لاريتي فضة من مالها لمسجد الدفنة ومسجد الزريبة من قرية الحيملي من ضمان لزمها منهما، وبنخلتها القش الأعلى من عضدتها المسماة عضدة المعصر من سقي فلج الخطوة من قرية الحيملي من الحجر بما تستحقه هذه النخلة من جميع الحقوق كلها ليفطر بِغلّتِها صائمو شهر رمضان بمسجد الدفنة من قرية الحيملي هذه، وقفًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، وبمُحمّديَّة فضّة من مالها لإصلاح فلج الخطوة … وبمُحمّديَّة فضّة من مالها لإصلاح فلج بالرحي … وبمُحمّديَّة فضّة من مالها لإصلاح فلج القرية من قرية الحيملي… وبمُحمّديَّة فضّة من مالها لاصلاح فلج البلاد من قرية حيل الغافة)2. ومن الوثائق التي وقفنا عليها بقرى وادي الجهاور ما جاء بوثيقة مؤرخة يوم 20 محرم 1368هــ: (أنها قد أوصت في صحة بدنها وكمال عقلها ونطق لسانها بصرمة نغال من العاضد سقي الغربي لمدرسة الحيلين)، وفي وثيقة مؤرخة يوم 27 القعدة 1359هــ قد أوصت: ( لمسجد الصبارة قرشين ولمسجد المبوة قرشين وله الكاتب نصف قرش)، كما جاء في وثيقة بتاريخ يوم 22 ربيع الآخر 1373هــ: (أنها أعطت المدرسة قورة برشي في الحسنية من الغربي في حياتها وصحت عقلها عطية فايته)، كما ورد في وثيقة مؤرخة بتاريخ يوم 2 شعبان 1367هــ: (أنها قد أعطت فلج الشرقي جيل الجنيّة فيه نغالتين منهن النغالة الزينة المسجولة والقورة الذي غربيه عطية ثابتة في حياتها وصحت عقلها برضاها ونطق لسانها بمائهن وشربهن المعتاد على آد البلد من سقي فلج الشرقي … وصارت الغلة [لها] ما زالها في قيد الحياة وعقب موتها لفلج الشرقي، كتبه بأمرها علي بن حمود الجهوري بيده)3. على ضوء ما سبق نجد أن طبيعة المشاركة البارزة التي كانت تقوم بها المرأة والدور المحوري الهادف الذي تزامن مع الصعوبات وقلة المادة فيما مضى إلا أن البحث عن الطرق المؤدية إلى الخير ثم الانتماء والولاء ونسمات العطاء وحُب المشاركة كانت الغالبة في حياتها التي شملت مختلف أوجه الخير ولم تقتصر على ما جاء في الأمثلة. وما تزال بصماتها باقية وأدوارها مستمرة ودائمة وفاعلة بهمة عالية، وهكذا هي في كل حال من الأحوال وبكل زمان ومكان، فاليوم توسعت الدائرة الخيرية في مجالها وأصبحت أنموذجًا للعطاء، ومهما سطرنا من حروف وكلمات تبقى بسيطة في الدور الكبير الذي قامت وتقوم به لخدمة مجتمعها.

مصدر الوثائق:
1- السعدي، فهد التاريخ السياسي والعلمي للسويق والمصنعة، ج3، 2015م.
2- الراجحي، بدر، آثار الحركة العلمية بالحيملي، 2015م، ص188.
3- يمتلك الباحث نسخ من وثائق وادي الجهاور.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights