هيكلة خارطة الطريق لعمان
هلال البدوي
كاتب، وباحث قانوني
كنت فى مقالتى السابقة أحاول استخلاص أهم الحقائق والثوابت التي خلص إليها الإرث الوطني للعهد الزاهر لجلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد_طيب الله ثراه_ نحو هدف أسمى وهو وضع سيناريوهات لمستقبل سلطنة عمان . وفى هذه المقالة وأخريات لاحقات بإذن الله كوني وكونك فرد في تمثيل ركن الدولة الثالث (الشعب) سنكون شركاء في محاولة وضع ملامح خارطة الطريق للمؤسسات والفواعل والمشاريع من خلال المشاركة في رسم السياسات العامة للسلطنة ويتأتى ذلك قبل الولوج إلى وضع ملامح هذه السيناريوهات، عن طريق تحديد أهم التحديات التى تفرضها طبيعة الظروف المحلية والدولية كى يحدد صانع القرار بالدولة موقفه منها قبل وقوعها حتى لا تستغرقه جزئياتها الآنية فتضيع الصور الكلية للمشهد ويغرق الجميع فى فك لوغاريتمات اللحظة!
فرضية : لو كنت فى موقع يسمح لك ولي برسم ملامح خارطة الطريق لصانع القرار فى الفترة الراهنة والقادمة ، فيجب أن نضع نصب العين خمسة تحديات كبرى علينا أن نجد إجابات لها ونحدد موقفنا منها الآن وليس لاحقا:
الموقف من الإرث والنهضة المتجددة : يبدو لنا أن السلطان هيثم وضع حجر بناء على حجر أساس والولوج إلى الشرعية الدستورية لهيكلة خارطة الطريق، صحيح أن عدد من مؤسسات الدولة يتم إعادة هيكلتها الآن ، إلا أن ملفات النهضة الأولى لا تزال وستظل لفترة فى تقديري مفتوحة، وفى مقدمتها فلترة قوانين وأنظمة الدولة وكما هو ملموس فقد تم توجيه أغلب المؤسسات في هذا السياق حتى تستطيع التصالح والتعايش مع خلاصة الرؤية السامية لصالح عمان، بل يجب أن يكون هناك إدراك أساسي ليصبح غير مستعصي على الفهم عند البعض، ولا سيما فيما يتعلق بملف العدالة الانتقالية بمفهومها الواسع، إذ أن المجتمع يأمل مع بناء السلطان لأوعية مؤسسية جديدة أو لجان لتقصى الحقائق أو إعادة هيكلة مؤسسات قائمة وصولاً إلى توسيع وإعادة هيكلة دائرة الاستشارات القانونية والسياسة العامة المحيطة بالسلطان، فقد ثبت أن إجراءات قد تم اتخاذها مسبقا فى هذا الصدد ،وإن بعض منها نأمل الحسم فيها .
الموقف من هيكلة المؤسسات: سيكون مأمول أيضا من السلطان أن يحدد ملامح خطة عمل مبكرة لإعادة هيكلة المؤسسات الخدمية بالدولة على وجه الخصوص، وقد يتناول ذلك ليشمل المؤسسات التي تضع وتقترح السياسات العامة للدولة نفسها للقطاعات الخدمة، وإذا كان السلطان قد اتخذ بعض الخطوات بالفعل فى إعادة هيكلة ذلك الجانب فنلتمس منه أن يكمل المشوار خاصة أن ما أعلنه وما اتخذه نستعين به إلى أن يفض بنتائج ملموسة اكثر على غرار ما هو جاري من هيكلة المؤسسات ذات الطبيعة الخاصة بامتياز في عملها، والتي يغلب عليها العمل السري والمركزي، وكذلك نأمل من السلطان أن يعيد ترتيب الأوراق داخل دولاب العمل بها فتصبح أكثر مدنية ومرونة وشفافية ، وإن إعادة رسم علاقة المؤسسات في أي اختصاص ينعكس حتما على إعادة صياغة العلاقة بآلاف الموظفين العاملين تحت لوائها، ويمتد ذلك إلى تعزيز الدور الأكبر لوحدات دعم واتخاذ القرار وإدارة الأزمات بالداخل العماني وهو ما أصبح ضرورة لبناء نهضة متجددة لعمان التى طالما تحدث السلطان هيثم عنها في الخطابات والمراسيم والأوامر السامية..فهل نأمل المزيد منها جلالة السلطان لصالح عمان ؟.
• الموقف من المجتمع: ثالث أكبر مسؤولية وربما تكون في رأي البعض أول مسؤولية يؤمل من السلطان أن يوليها اهتمامه وهذا ما نلمسه في بداية ترجمة رؤيته لعمان ولربما تحتاج هذه العلاقة لعناية اكثر واكبر في التفكير والتحقيق على واقع ملموس ، فوضع المواطن العماني على أهميته وتأثيره فى جميع المشاهد ما زال ملتبسا، فلا هو الذي تحول إلى شريك فاعل مع الحكومة جنبا إلى جنب ، ولا هو الذي قننت أوضاعه الذي سوف يتقاسم تطبيق القانون بمبدأ الحق والواجب ! وأننا على يقين بتطلعات الرؤية السامية .
• الموقف من الحكومة والمؤسسات البرلمانية : حيث احتاجت فرنسا سنوات حتى استقرت على توازن فى العلاقة بين الرئيس والبرلمان والحكومة بينهما! والدعوة للحكومة والمجالس التشريعية إلى جانب السلطان فرضية حتمية للمصير المشترك ، كما نأمل من السلطان أن يضع سيناريوهات مبتكرة آخرى لتشكيل الحكومة من ذوي الاختصاص ودمج فئة الشباب ذو النضوج الفكري لصنع الفارق في ظل العولمة المتسارعة وهذا ما أخفقت فيه بعض المؤسسات في بعض اختصاصاتها والأدوار المناطة لها ليس من باب النقد او الاعابة وانما طمعا في التحسين والتطوير لنهضة عصرية بكل المقاييس، ولو كان ذلك في قوالب أوعية مصغرة تستطيع استلام الراية على أكمل وجه، وحتما فإنه لا يوجد غنى عن الرعيل الأول من الخبرات السابقة كقوام حسن لهذه الفئة ،ويجب أن نعي تماما أن الحكومة ليست بمفهومها الضيق في من سيرأسها؟ أو من سيحمل حقائبها الوزارية ؟ أو من سيتم الائتلاف معها؟ نعم أنها أسئلة مبكرة أو فى غير ميعاده وخاصة فى حالة بوادر الخير التي يترجمها جلالة السلطان لرؤيته وهو سيناريو يخلق بارقة أمل لمستقبل زاهر لعمان .
• الموقف من أصحاب الهمم : الذي يفتقرون للتبني لأفكارهم وسواعدهم وعطاءهم لعمان ومن لا يجدون منبرا ينضحون فيه إبداعاتهم ومساهماتهم الوطنية وهو أمر نحسبه مقبولا ومفهوما لدى جلالة السلطان بلا شك ،الأمر الذي يتسق مع مفهوم الدولة الديموقراطية أنموذجا ، وما أن أصبحت البنية مهيئة لهكذا توجه فقد نصنع نظاما توافقيا يحقق مبدأ معا من اجل عمان ، وهو أمر يتطلب من صانع القرار أن يتعامل معه بمنطق ووجدانية الدوله كجزء لا يتجزأ من الشراكة المجتمعية ، ونستشرف أن تكون هناك حاجة ملحة لوضع خطة حقيقية ليس فقط للتحاور مع هذه الفئة من المجتمع ، وإنما لدمجها بحق فى العملية المؤسسية من خلال آليات وتشريعات وسياسات تمكن المجتمع العماني من الاندماج فى العملية كما يقتضى الأمر فى أي دولةديموقراطية، وأن مجرد محاولة تقويض هذه الفئة عن ما تأمله لصالح عمان سيمثل عبئا حقيقيا وتقويضا صريحا لمفهوم الدولة العصرية .
فكم من مخرجات كوادر تعليمة وتدريبية وطنية هيأة إلى إلى جانب مخرجات البرامج الوطنية كالرؤساء التنفيذيين والفئات الأخرى التى نتساءل بغيرة وطنية أين ذهب ريح أدراجها ، ومع ذلك يبقى الأمل منشود من القائمين عليها.
وفي ظل الأزمات والتحديات الراهنة التي نمر فيه والتي يتحدد عليها مصير السلطنة القادم يمكن إتاحة الفرصة لتلك الطاقات لتشمر عن سواعدها بدعوة صريحة لخدمة الوطن.
فشئنا أم أبينا، أيدنا أو عارضنا السياسات العامة للسلطنة فإن مستقبل عمان نتأثر ونؤثر به ،فكيف وإن كانت السياسات باعثها رمز الدولة الأول جلالة السلطان المعززة بدور الحكومة الرشيدة خصوصا في الفترة الآنية ،وحتما سوف نلمس التطور والأداء في السياسات العامة والموجهات الأساسية للسلطنة من خلال إعادة التفكير والتخطيط فى المواضيع سالفة الذكر من ذوي الاختصاص لهيكلة خارطة الطريق لعمان .