الإيمان جزء لا يتجزأ
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تتفرع مفاهيم الإيمان، وتتنوع مقاصده؛ بتنوع الدور الذي يقوم به كل منا في مختلف شؤون الحياة، وعلى كل منا أن يتحمل المسؤولية الكاملة في الشأن الذي يكون عليه، فإن كان يمارس وظيفة ما، عليه أن يكون مؤمنا بهذه الوظيفة وبأهميتها، أو عليه أن يتركها بكل رحابة صدر، وإن كان يقيم علاقة ما مع أي شخص؛ علاقة: صداقة، زمالة، أسرية، عمل، عليه أن يكون مؤمنا بأهمية هذه العلاقة والدور المؤمل من خلالها لبناء الحياة، وتعضيد الألفة والمحبة، وإلا عليه أن لا يستمر، ولك أن تقيس بقية العلاقات مع أي طرف يكون، وإخضاعها لهذا الفهم “الإيماني”، لأنه بدون اخضاعها له، هنا تكون العلاقة غير سوية، وغير صادقة، وغير أمينة، وغير حقيقية، وإنما هي لظرف ما مؤقت لتحقيق مصلحة لطرف واحد فقط، ومتى تحققت المصلحة تقبر هذه العلاقة في أقرب حفرة من حفر التاريخ، ويوارى جثمانها التراب، وهذا النوع من العلاقات مقبولة عند من يريد أن يجيرها لتحقيق هذه المصلحة أو تلك، وهنا لا تخضع بتاتا للفهم “الإيماني”، فهي لا تتجاوز اللسان فقط، ولا تأخذ طريقها إلى القلب.
صحيح؛ هذه الصورة “الإيمانية” أقرب إلى المثالية منها إلى الواقع، فالواقع أجنداته مختلفة، وحساباته مختلفة، فهو واقع في مطب مفهوم “الربح والخسارة”، وهو مفهوم مقبول أيضا، ويمارس بكل تلقائية، وهناك من يصرح بذلك بلا مراءاة، ولا تكلف، ومن هنا تنشأ المشكلات، وتتصادم الرؤى، خاصة إذا كان أحد طرفي المعادلة أكثر إيمانا بهذا النوع من العلاقات المشوهة، ويخضع لإستغلال غير مرئي من الطرف الثاني، عندها تكون ردة الفعل قوية، وعميقة، وجارحة، وصادمة، ويمكن أن تقاس هذه الصورة على كل الأمثلة التي تم ذكرها في صدر المقال، حتى الوظيفة عندما تتعرض لهذا النوع من الابتزاز، تقع تحت هذه الصورة، ولأن الوظيفة لا تدافع عن نفسها، إلا من خلال القانون العام الذي يحميها في حالة أن هناك من يساندها من المخلصين من أبنائها، حيث تصل المسألة إلى المساءلة القانونية على مسارح المحاكم.
والمسألة الإيمانية هنا مسألة شديدة الحساسية، ويصعب قياس درجتها عند فلان من الناس؛ إلا بالقدر الذي يبديه في أثناء التعاطي مع الطرف الآخر، وهذه تحتاج الى ممارسة مستمرة طوال فترات إقامة هذه العلاقات بين أي طرفين، ونظرا لصعوبة هذا القياس، فهنا تختلط هذه الصورة الإيمانية مع الصور الأخرى المستغلة أو “الصائدة في الماء العكر” كما يقال، والفرد هو الوحيد القادر على قياس حجم هذا الإيمان من خلال ما يشعر به تجاه الآخر، ومن خلال ما يكنه من ود، حيث يصعب الخلط بين الإيمان والنفاق في آن واحد، ومن يحاول أن يربك المشهد بهذه الإزدواجية فسرعان ما يظهر أثر ذلك على الواقع، وينكشف الستار.
في حياتنا اليومية هناك علاقات لا بد أن تتعمق فيها الصورة الإيمانية، وأخص هنا مختلف العلاقات الإجتماعية التي تربطنا بالآخرين من حولنا، وبأقرب الناس إلينا، بالإضافة إلى علاقاتنا بالوظيفة التي توفر لنا مستوى معيشي ما، والذي نكفل من خلالها من نعول، لأنه بخلاف ذلك سنأكل ونؤكلهم الحرام، حيث “السحت” الساحق للخير والبركة، ولا أتصور أن هناك عاقلا وذا بصيرة رشيدة يود أن يوقع نفسه في هذا المأزق الرخيص والوضيع، إلا إذا كان منشأه، في الأصل، من ذلك، وإن كان “لا تزر وازرة وزر أخرى”.