2024
Adsense
أخبار محلية

“تويتر” .. وهدهد “سليمان”

أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

تبدو هنا ثمة مفارقة موضوعية في الوسيلة؛ ولكنها تبقى مقاربة مفاهيمية مهمة في المعنى؛ والزمن؛ و فورية المناسبة وحداثتها، خاصة عند الحديث عن الزمن وسرعته المتناهية والتي لا تخضع للمقاييس المادية الصرفة، فالمسافة التي قطعها الهدهد ما بين مملكة سبأ في اليمن، وبين مملكة بني إسرائيل في فلسطين؛ حيث يعيش النبي سليمان عليه السلام – حسب الرواية – تعكس هذه الاختصار الشديد في السرعة والزمن الذي تعكسه خدمة “تويتر” في العصر الحديث، ولأن كان الهدهد هذا الطائر الجميل بألوانه الزاهية قد جاهد، بأمر الله، في نقل خبر مملكة سبأ وعبوديتها لغير الله، وفق منطق قدرات طائر يطير بجناحيه، فهو مخلوق من مخلوقات الله، فإن المقاربة هنا في استحضار سرعة نقل الحدث الذي تقوم به خدمة “تويتر” وهي تقنية فضائية تسبح عبر امتداد الفضاء الرحب ما بين الشرق والغرب، هذه الصورة تبدو لي شديدة القرب في هذا المعنى، مع الإيمان الأكيد بالمفارقة الموضوعية لذات الصورة، فالأولى؛ والمتمثلة في الهدهد، هي بوحي من الله وقدرته عز وجل، وهي القدرة المطلقة بلا شك، ولا مجال هنا للقربى، والثانية وهي من صنع البشر؛ التي منشؤها أيضا وحي الله لعباده في الاستهداء إلى هذه الوسيلة التي تناسب هذا العصر اليوم، وهو عصر تقاربت فيما بين جزيئياته المسافات، وتقلصت الحدود، وغدت الكرة الأرضية قرية واحدة، أو قرية كونية متداخلة، كما يحلو للبعض تسميتها بذلك.

أسجل هذه الملاحظات، واستحضر في الوقت نفسه متابعة العالم كله لحدث فوز دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة، وكيف تعاطت معه وسائل التواصل الاجتماعي، وخاص “تويتر” الذي سجل ما يزيد على (50) مليون تغريدة على مستوى العالم، وكان من نصيب العرب فقط مئات الآلاف منها، حسب بعض المصادر، بينما أشارت مصادر أخرى الى أن الرئيس باراك أوباما الرئيس لم تصل عدد التغريدات إبان فوزه أكثر من (31) مليون تغريده على مستوى العالم، فهذا التناغم بين هذه الأقوام كلها من مشارق الأرض ومغاربها حول هذا الحدث لينبئ كم أصبح هذا العالم صغيرا جدا، وكم تلعب فيه الوسيلة الإعلامية الدور الأكبر، وكم تتصدر “تويتر” هذه الوسائل كلها، وكم عدد الأشخاص الذين يتفاعلون في نفس اللحظة لذات الحدث، سلبا أو إيجابا، في عالم يموج بمختلف الأحداث، ولأن كسب (هدهد سليمان عليه السلام) رهان استحقاق العفو والمغفرة؛ ونجا من العقاب “لأذبحنه” الذي توعد به النبي سليمان عليه السلام لغيابه بدون إذن بإتيانه بهذا النبأ السار والخطير في ذات الوقت، السار: من حيث إنقاذ هؤلاء الأقوام من براثن الشرك؛ والخطير: في حجم المعصية التي يمارسونها، ربما من غير علم، فإنه يحق لهذه الوسيلة اليوم “تويتر” أن تتصدر قائمة الوسائل الإعلامية في نقل أحداث العالم بكل سرعة ويسر، على امتداد الكرة الأرضية، وتتيح للآخرين فرصة إعادة تموضعاتهم المختلفة في الدائرة التي يعيشون فيها، فالعالم يعيش سرعة لا متناهية، وكلما قطعت الأسرة الدولية شوطا مهما في حياتها، لا تلبث إلا أن تبدأ خطوة أخرى في ذات المسار، في حالة من اللهاث غير العادي. 

يسجل هنا (هدهد سليمان عليه السلام) أول انجاز نوعي في فهم الزمن؛ يقوم به مخلوق من مخلوقات الله بإمكانيات قدراته كمخلوق، وهي رسالة شديدة المعنى لهذا الإنسان بما أوتي من علم وحكمة في أن يوظف هذا الزمن ويسخره بما يعزز وجوده، ويعلي من شأن بقائه في هذه الحياة التي ستظل قصيرة جدا مقارنة بعمره الذي يقضيه فيها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights