عندما تتقاطع الوسيلة مع الهدف
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
يخضع أناس كثيرون مختلف الوسائل، ومنها الوسيلة الإعلامية – كأحد الأمثلة في هذه المناقشة -للمحاكمة بصورة مستمرة، خاصة عندما يقيمون الناتج الإعلامي، وتأثير هذا الناتج على المتلقي، ويرون أن المبالغة في تجريد الواقع الذي تعكسه الرسالة الإعلامية هو من صميم عمل الوسيلة، وأنه لولا هذه الوسيلة لما وصل التجريد إلى هذا الحد.
وعند النظر إلى هذه المسالة من جوانبها المختلفة، نجد أن الوسيلة، وبصورة مطلقة، ليس لها علاقة في أن تنقل الصورة المباشرة للدور الذي تقوم به، إلى صورة أخرى مغايرة، فوسيلة النقل أي كان نوعها، كمثال آخر، هي وسيلة نقل ركاب، أو بضائع من مكان لآخر، ولكن أحد نتائج هذا النقل هو قتل مئات من الناس، ليس لهم ذنب سوى أنهم امتطوا هذه الحافلة أو تلك للتنقل من مكان لآخر، كما هو الحال للدور الذي تؤديه الوظيفة، كمثال ثالث آخر، فناتج الوظيفة، كما يفترض، هو أداء خدمات عديدة وكثيرة، في التدريس، في العلاج، في إنجاز المعاملات المختلفة، ولكن النتائج في بعض اشتغالات هذه الوظيفة هي ظلم، وتعدي على حقوق الناس، وانتهاك للقيم الإنسانية، مثل ما يمكن أن يقال عن المحكمة، كمثال رابع، فملخص مداولتها، يفترض الوصول إلى تحقيق العدالة المطلقة، ولكن في ظروف كثيرة، يذهب أناس أبرياء إلى السجون، وتكتشف براءاتهم بعد عشرات السنين، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.
هذا التقييم الذي يقف عليه متلقي الرسالة من كل هذه الأمثلة، وغيرها، هو الذي يرسم الصورة القاتمة للوسيلة، وينزلها منزلة الحضيض قياس على الناتج الذي يصل إليه، وفي كل هذه الأمثلة وغيرها أيضا هناك القائم بالرسالة الموكول إليه أمانة المسؤولية لكي يخرج بنتاج معبر عن حقيقة الوسيلة التي وضعت لهذا الهدف أو ذلك، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الصورة هو: هل تحاكم الوسيلة، أم القائم عليها، يقينا الإجابة المباشرة، تقول: القائم على هذه الوسيلة، ولكن هناك من يقول لا، الوسيلة هي التي يجب أن تكون حاضرة على المنصة لتحاكم، وقياسا على هذه الصورة تجد أن هناك أناس – على سبيل المثال – حتى اليوم ليس في منازلهم جهاز تلفاز، كما كانت الصورة التي تروى عن وصول أول مذياع وكيف وقف الناس منه موقف الرافض والمستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
هذا القصور في التقييم مرده إلى وعي الفرد، وهو وعي مفاهيمي بالدرجة الأولى، وهو القصور الذي يصل إلى حد التعصب، كما هو الحاصل عند المتعصبين للمذاهب، فالمذهب الديني هو أحد الوسائل للوصول إلى تطبيق صحيح للتشريع، ليس أكثر، ولكن عندما تلتحم المبالغة في تطبيق المذهب الديني أو حتى المذهب السياسي، تنقل الصورة من محليتها في الفهم، إلى شموليتها في التطبيق، وهذه مشكلة كثير من الناس اليوم أكثر من أي وقت مضى، خاصة عند توظيف وسائل التواصل لخدمة مثل هذه الأغراض الجانبية، وهي اليوم متعددة، وعلى فكرة هذه المسألة ليست مرتبطة بمحدد جغرافي، أو شعبي دون آخر، وإنما هي صورة عامة تجدها في المجتمعات المتقدمة و”المتأخرة” تعكس، للأسف الشديد، هذا القصور في وعي المفاهيم عند التطبيق بشكل خاص، ومن هنا يأتي هذا الخلط بين الوسيلة، وبين المنتج النهائي لها، وهو ما يحدده القائم عليها بشكل خاص.