الإثنين: 15 ديسمبر 2025م - العدد رقم 2765
مقالات صحفية

مَاذا لَو عَاد مُعتَذِراً؟

عادل بن رمضان مستهيل
[email protected]

ثقافة الاعتذار وقبول الاعتذار ،في زمنٍ تتسارع فيه المواقف والمشاعر، وتزدحم العلاقات بمواقف قد تخدش القلوب وتترك جراحًا، يظل الاعتذار قيمة أخلاقية عليا لا يتقنها إلا من امتلك شجاعة الاعتراف ونُبل النفس. لكن، يبقى السؤال الأهم: ماذا لو عاد معتذرًا؟ هل نقبل اعتذاره؟ أم نغلق الأبواب ونترك للموقف أثرًا لا يُمحى؟

ثقافة الاعتذار ليست مجرد كلمات تقال، بل موقف إنساني عميق يدل على وعي الفرد بفعله، وقدرته على التراجع، وتصحيح مسار العلاقات. وفي المقابل، قبول الاعتذار فن لا يتقنه إلا أصحاب القلوب الواسعة، الذين يدركون أن البشر بطبيعتهم خطّاؤون، وأن أجمل العلاقات تلك التي تعرف كيف تُرمم جراحها.

غير أن الاعتذار، مهما كان نبيلًا، لا يُقبل في كل الأحوال. فهناك مواقف تتجاوز قدرتنا البشرية على التسامح، خاصة إن مست الكرامة، أو هدمت الثقة، أو خلفت أذى لا يجبره اعتذار. ومع ذلك، تظل التفاصيل والمعاني خلف كل موقف هي الفيصل.

حين أقدمت قريش على إيذاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، بلغ الأذى منتهاه، حتى أُخرجوا من ديارهم. لكن حين فُتحت مكة، قال كلمته الخالدة: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. لم يكن الموقف بسيطًا، بل جُرحت فيه كرامة، وسُفكت فيه دماء. ومع ذلك، انتصر النبي للأخلاق والرحمة، لأن بناء المستقبل كان أثمن من حسابات الأذى الماضي.

وفي المقابل، ثمة مواقف في حياتنا الشخصية قد يصعب فيها الاعتذار أو قبوله. خيانة صديق، أو خذلان في وقت ضيق، أو كلمة جارحة في ظرف حساس. وبين هذين الحدين، تتفاوت المواقف. ثمة خطأ يُسامَح، وثمة خطأ يصعب تجاوزه.

المجتمعات اليوم في أمس الحاجة لإحياء ثقافة الاعتذار الحقيقي، لا المجاملات الاجتماعية. الاعتذار الذي يُعبر عن إدراك الخطأ، لا عن مجرّد الخلاص من تأنيب الضمير. وكذلك حاجة ماسة لفن قبول الاعتذار، لمن يستحقه، وفي الوقت المناسب.

ماذا لو عاد معتذرًا؟ سؤال يكشف عن معدننا الإنساني، وعن حدود قدرتنا على التسامح. فليس العيب في أن نخطئ، بل في ألا نحسن الاعتذار. وليس الضعف في أن نقبل الاعتذار، بل في أن نحمل الحقد حتى تفسد القلوب.

الحياة قصيرة، والندم أطول من أن نحمله في صدورنا. لعلنا نربّي في أنفسنا وأبنائنا تلك الفضيلة، أن نعتذر بصدق، وأن نقبل الاعتذار حين يستحق.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights