السبت: 14 يونيو 2025م - العدد رقم 2581
Adsense
مقالات صحفية

هل يُحال العقل إلى التقاعد؟!

حمدان بن هاشل العدوي

في عالمٍ يزداد تعقيدًا، وتتنافس فيه الدول على بناء الاقتصاد المعرفي، يظل سؤال التقاعد الإجباري في المهن التخصصية مطروحًا بإلحاح: لماذا يُحال الطبيب، والمهندس، والمحامي، والطيار، إلى التقاعد بعد أن أنفقت الدولة الملايين على تأهيلهم؟ ولماذا لا يُستفاد من خبراتهم المتراكمة في مؤسسات استشارية أو تدريبية؟ أليس من التناقض أن نحتفل بتجارب الدول التي تكرّم علمائها وخبرائها، ثم نعزل نحنُ عقولنا المُبدعة في ركنٍ منسيّ بمجرد بلوغهم الستين أو الخامسة والستين؟!

المؤسف أن التقاعد في معظم الأنظمة يُنظر إليه كحالة نهاية، لا كبداية مرحلة عطاء مختلفة، يتم التعامل معه بمنطق «الإحلال الوظيفي» لا بمنطق «استثمار المعرفة». صحيح أن قوانين التقاعد وُضعت لضبط الموارد، وإتاحة الفرص للأجيال الجديدة، لكن هل يصح أن نساوي بين المهن الروتينية والمهن التخصصية التي يتطلب الوصول فيها إلى الإتقان سنوات طويلة من الدراسة والخبرة العملية؟

المهندس الذي أمضى أربعين عامًا في تشييد الجسور والمشاريع الكبرى، والطبيب الذي قضى عمره بين قاعات العمليات، والطيار الذي قاد آلاف الساعات بأمان، هؤلاء لا يفقدون قدراتهم بين ليلة وضحاها. بل إن أعظم ما يملكونه – بعد التقاعد – هو ما لا يمكن تدريسه في الكتب: الخبرة، والحكمة، والرؤية.

ما الذي يمنع من إنشاء مجالس مهنية استشارية تضم هذه الخبرات المتقاعدة، لتكون بمثابة “ذاكرة وطنية” في كل قطاع؟ لماذا لا يتم دمجهم في برامج تدريب الأجيال الجديدة، أو استشارتهم في المشاريع الكبرى، أو حتى الاستفادة منهم في تقييم السياسات والمخرجات؟ بل ولماذا لا يُطرح نظام “التقاعد المرن”، الذي يتيح للخبير أن يعمل جزئيًا، أو يُستدعى عند الحاجة، بدلًا من أن يُقصى تمامًا؟

تحديات التنمية المستدامة اليوم لا تحتمل هدر العقول، والأمم التي تسير نحو المستقبل لا ترمي تجاربها خلف ظهرها، بل تصنع منها جسورًا تعبر بها الأجيال.

التقاعد حقٌ إنساني، نعم، لكن تجاهل العقل المتقاعد خسارة وطنية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights