ظِلُ شجرة الصبار مجلساً مفتوحاً يجتمع فيه الأهالي في العديد من القرى في السلطنة
كتب : سعيد بن أحمد القلهاتي
المجالس العامة ببعض قرى السلطنة كانت في السابق هي عبارة عن ظلال الأشجار يتخذها أهالي القرى كموقع لتجمع العنصر الرجالي يستقبلون بها ضيوفهم سواء كانوا من الأهالي أو من مراسيل الحكومة ، فضلا عن مزاولة مختلف العادات والتقاليد في مناسبات الأعراس والأعياد بالإضافة الى مناسبات الأتراح .. وقرى حارة بده والحصن بنيابة طيوي وقرية حلم بوادي بني جابر ضمن هذه القرى التي اتخذت شجرة الصبار كمجالسٍ لها .. إذ كان ظل هذه الشجرة يعتبر مجلساً مفتوحاً يجتمع فيه الأهالي .
لتعريف القاريء الكريم برسالة شجرة الصبار في هذه القرى التقت عمان بمن هم عايشوا ذلك العهد واستلهموا دروس الحياة من تحت ساق وظل هذه الشجرة ..
▪︎ حيث كان اللقاء الأول مع : الوالد / سليمان بن عبدالله بن سليمان الصلتي من قرية حلم بوادي بني جابر أحد الشياب والأكابر المعاصرين لذلك الوقت والذين عايشوا زمن تلك المجالس العامرة بالدين والإيمان والعادات والتقاليد الحسنة – وتحدث باستفاضة فقال : كانت الصبارة بمثابة السبلة في هذه القرى وبمثابة المدرسة ولامبالغة في ذلك .. فهي تعتبر مكاناً لتعليم القرآن الكريم وعلومه وأساسيات ومبادئ الصلاة والعبادات الأخرى في أحد زواياها ، وفي زوايا أخرى هناك من يمارس حرفته ويعلم صغار السن هذه الحرفة مثل سف وحياكة السعفيات وقلد الحبال وترتيبها ، وهناك من يستقبل الضيوف ويعلم الأطفال والغلمان أصول الترحيب بالضيوف وسؤآلهم عن العلوم والأخبار واحترام كبار السن وتقديمهم في المجالس ، فمن خلال هذه الدروس التي يقدمها كبار السن للأبناء في هذه المجالس تجد النشيء ينشأ وهو مستلهم كل مايتعلق بأمور حياته من تأدب واحترام وتقدير للآخرين ، وسلوك حميدة وأخلاق فاضلة ولذلك كان لهذه المجالس الفضل الكبير بعد الله عز وجل في صقل مهارات الشباب وتنشئتهم تنشأة صالحة تعينهم في دينهم ودنياهم .
▪︎ وعن ما استلهموه من دروس الحياة الأخرى تحت ظل هذه الشجرة تحدث أحمد بن عدي بن أحمد الصلتي من قرية حارة بده وقال : تعلمنا من هذه المجالس كيف تتم صناعة السفة وحبل السرد وصناعة الدعون ، كما تعلمنا أن يكون الضيف احترامه وتقديره وإكرامه مسوولية وواجب كل فرد في القرية أياً كان هذا الضيف ، ومما تعلمناه أيضاً أنَّ هذه الصبارة مجمع للأهالي ومكان اجتماعهم ومن هنا تخرج القرارات الجماعية التي يحترمها الجميع ولا يخرج عنها أي أحد بل يتم تطبيقها والعمل بموجبها من قبل الجميع ، كما كانت هذه المجالس تعتبر مصنع للرجال حقيقةً ذلك وليست مبالغة فإلقاء النصائح والإرشادات والتوجيهات التي يقدمها كبار السن للأطفال كانت من أساسيات هذه المجالس .
▪︎ وعن إضمحال وغياب دور شجرة الصبار تحدث إلينا حمود بن سعيد بن ماجد الصلتي من قرية الحصن بنيابة طيوي – قائلاً : نعم إنَّ شجرة الصبار كانت هي المكان الوحيد الذي يعده الأهالي كمجلسا ومتنفساً لهم ومع مايمارس فيه من عادات وتقاليد وصناعة للباروت الذي يستخدم للمدافع والبنادق التقليدية كالميلكي والوصلة في ذلك الزمان .. فقد كان أيضاً موقعاً رسمياً للمشائخ عندما يفد إليهم أصحاب السعادة الولاة وأصحاب الفضيلة القضاة ومبعوثي ومراسيل الحكومة الآخرين فيستقبلون فيه هؤلاء الضيوف ويتم من خلاله قضاء حوائج الرعية من قبل ممثلي الحكومة .ولكن مع مرور الأيام وتشييد المجالس الحديثة ودخول عصر الحداثة بدأت رسالة الصبارة تختفي شيئً فشيئً وبدأ دورها يضمحل فالجلوس في مثل هذه المجالس بدأ قليلاً بل يكاد ينتهي في بعض الأماكن وذلك لكثرة الإرتباطات واشتغال فئة الشباب في خارج القرية إضافة إلى ذلك وجود التقنيات الحديثة التي دخلت في حياة الناس وفرضت نفسها وجعلها البعض بديلاً للتواصل عن مثل هذه المجالس التقليدية ، واختتم حمود الصلتي حديثه قائلاً : رحم الله ذلكم الأشخاص الذين كانوا لا يبرحون تلك المجالس وحفظوا لهذه الأماكن قيمتها واحترامها وهيبتها .