بين الكاف والنون: فيض القدرة وتجلي الإرادة

شيماء بنت سعيد الرقادية
بين الكاف والنون، مسافة لا يدركها العقل ولا يقيسها الزمن، لكنها تختصر سر الوجود وسلطان القدرة الإلهية. هما حرفان بسيطان في المبنى، عظيمان في المعنى، حين يجتمعان تنبثق الحياة، ويتشكل الكون، وتتحقق المعجزات. ففي قوله تعالى: “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (يس: 82)، يكمن جوهر الإرادة المطلقة التي لا تحتاج إلى أدوات أو وسائط، بل تتحقق بأمر واحد، في لحظة تتجاوز إدراك الزمن البشري.
الكاف والنون ليستا مجرد حروف، بل هما رمز للخلق الفوري، للإبداع الذي لا يحتاج إلى زمن، وللتحول الذي يتم بقرار إلهي نافذ. حين قال الله “كن”، كان النور بعد العدم، وكان الكون بعد الخواء، وكانت الحياة بعد الجماد. هنا يتجلى الفارق بين قدرة الخالق وإمكانات المخلوق؛ فالبشر يحتاجون إلى مقدمات وأسباب، إلى وقت وجهد، إلى مراحل تسبق الفعل، بينما القدرة الإلهية متجاوزة لكل ذلك، إذ يكفي أن يريد، فتكون الإرادة أمرًا، ويكون الأمر خلقًا.
في هذه العبارة القرآنية، نرى أن تحقيق الشيء لا يتوقف عند حدود الإمكانات البشرية، بل يتجاوزها إلى رحابة القدرة الإلهية، وهذا يمنح الإنسان طمأنينة لا تضاهى، إذ يدرك أن المستحيل لا وجود له في قاموس القدرة الإلهية. من هنا، يتولد اليقين بأن التغيير ممكن، وأن الأحلام قابلة للتحقق، وأن الأقدار بيد من يقول للشيء “كن”، فيكون.
بين الكاف والنون، يتلاشى العجز، ويتبدد القلق، لأنهما تذكير دائم بأن القوة المطلقة ليست بيد البشر، بل بيد من أمره بين الحرفين. وحين يعي الإنسان هذه الحقيقة، يعيش في أفق أوسع من حدود الواقع، مدركًا أن الأمل لا ينتهي، وأن الرجاء لا يخيب، ما دام الأمر كله بيد القادر على أن يقول “كن”، فيكون.