2025م
Adsense
مقالات صحفية

عادك إلا صغير.. رحلة العمر بين الطفولة والنضج!

عادل بن رمضان مستهيل
adel.ramadan@outlook.com

في مقالي هذا لن اتحدث عن الأغنية الشهيرة “عادك إلا صغير” للفنان الراحل أبو بكر سالم بلفقيه.

والتي تُشير بعض المصادر إلى أن كلمات الأغنية مستوحاة من موقف طريف حدث في سبعينيات القرن الماضي، حيث شوهد أصيل، ابن أبو بكر سالم، وهو طفل صغير يتحدث مع فتاة بجانب مطعم في القاهرة. عندما أُخبر والده بذلك، نصحه قائلاً: “عادك إلا صغير”؛ مما ألهمه لكتابة هذه الأغنية.

ففي حديثي مع أحد الأصدقاء.. أستلهمتني هذه العبارة، عندما قالها لي صديقي “عادك إلا صغير”، وأرجعت بي الذاكرة إلى عدة مواقف في حياتي…

لطالما سمعنا هذه العبارة “عادك إلا صغير”، لكننا لم ندرك حينها أنها أكثر من مجرد كلمات عابرة. هي جملة تتردد في حياتنا، تتلون بتجاربنا، وتكبر معنا، حتى نصل إلى لحظة ندرك فيها معناها الحقيقي.

في صغرك، تسمعها لأول مرة عندما تحاول دخول عالم الكبار، تحاول الحديث معهم، تبدئ رأيك، تطلب شيئًا يبدو لك منطقيًا، لكنك تُواجه بابتسامة ساخرة وكلمات قاطعة: “عادك إلا صغير”. تشعر بالغيظ، تتمنى أن تكبر سريعًا، غير مدرك أن هذه المرحلة، التي تحاول القفز فوقها، هي نفسها التي سيتمنى الكبار لو عادوا إليها يومًا.

تمر الأيام، تدخل المراهقة، تظن أنك أصبحت شخصًا مستقلًا، قادرًا على اتخاذ قراراتك، لكن المفاجأة؟! العبارة ما زالت تلاحقك! تريد السفر مع الأصدقاء، لكنهم يذكّرونك: “عادك إلا صغير”. تناقش السياسة بجدية، تُواجه بابتسامة ساخرة: “عادك إلا صغير”. تسعى للاستقلال، وتكتشف أن الحياة معقدة أكثر مما كنت تظن، لكن الجميع يخبرك أن الوقت لم يحن بعد.

ثم تأتي مرحلة العمل والمسؤوليات، تفرح بأول راتب تضعه في جيبك، تشعر أنك ملكت الدنيا، لكن مع مرور الأيام تدرك أنه لا يكفي حتى منتصف الشهر. تخوض أول تجربة حب، تظن أنك فهمت معنى المشاعر، ثم تصدمك الخيبات، لتدرك أنك كنت “صغيرًا” في دروس القلب.

تتزوج، تُنجب، تظن أنك أصبحت ناضجًا بالكامل، لكن حين ينظر إليك طفلك بعينيه المتحمستين، يسألك شيئًا يبدو له بديهيًا، تبتسم بلا وعي وتقول له ما كنت تكرهه يومًا: “عادك إلا صغير”. حينها فقط، تضحك من قلبك، مسترجعًا كيف كانت تستفزك هذه الجملة، والآن أصبحت تستخدمها بنفس الحب الذي كانوا يقولونها لك به.

وفي لحظة ما، ربما عند أول خيبة حقيقية، أو عندما تلمح شعرة بيضاء في رأسك، تفهم أن “عادك إلا صغير” لم تكن مجرد جملة؛ بل كانت اختصارًا لحكمة الزمن. تدرك أن الحياة ليست في الاستعجال، بل في العيش بحجم اللحظة، في الاستمتاع بكل مرحلة كما هي؛ لأن النضج ليس لحظة تصل إليها، بل رحلة تعيشها.

وربما، بعد سنوات، عندما يجلس حفيدك بجوارك، متذمرًا لأنه لا يستطيع فعل ما يريد، ستنظر إليه بحب، وتربّت على كتفه؛ ثم تبتسم وتقول له:

“عادك إلا صغير…”

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights