2025م
Adsense
أخبار الإقتصاد

تمكين أسواق الهيدروجين الاخضر، تطوير الممرات التجارية

مسقط-النبأ

يتركز أغلب الانتاج والاستهلاك للهيدروجين المشتق من الوقود الاحفوري حاليا في نفس الموقع الجغرافي، تحديدا ضمن العمليات الانتاجية المرتبطة بمصانع الامونيا و معامل تكرير النفط. من المتوقع أن يصبح الطلب المستقبلي على الهيدروجين أكثر استدامة وتنوعًا مع التركيز توسع الاستخدامات لتشمل الصناعات الثقيلة والقطاعات الاخرى كالنقل والكهرباء. وبحكم أن طبيعة إنتاج الهيدروجين الاخضر (المعتمد على الطاقة المتجددة) تختلف من حيث المدخلات وطريقة الانتاج لاعتمادها على الطاقة المتجددة التي في الغالب تتواجد مواردها في مناطق تختلف عن مواقع المناطق الصناعية والمستهلكة للهيدروجين ومشتقاته، ومن حيث الاقتصاديات والتشريعات المرتبطة به، وكذلك من حيث توسع الاستخدامات المتصورة لتشمل قطاعات متنوعة، فالمتوقع ازدياد التفاوت ما بين مواقع الانتاج ومواقع الاستهلاك. وهذا من شأنه أن يفتح المجال لتطوير ممرات تجارية عالمية للهيدروجين الاخضر أو المنتجات المرتبطة به.

هناك حكومات عدة تخطط لاستيراد الهيدروجين الاخضر أو أحد المنتجات المرتبطة به من دول أخرى عبر المحيطات. فتواجه بعض الدول الصناعية تحديات مختلفة كعدم توفر المساحات الشاسعة، أو ازدياد كلفة الانتاج النسبي، أو الحصول على التصاريح لربط مواقع الانتاج بمواقع الاستهلاك، تلزمهم على النظر إلى استيراد الهيدروجين. فالاتحاد الاوروبي على سبيل المثال يستهدف استيراد نصف الكميات الاجمالية المخطط لاستهلاكها من الهيدروجين الاخضر، وكذلك جمهورية كوريا واليابان وجمهورية سنغافورة لديهم مستهدفاتهم. وتتنافس موانئ هذه الدول على أن تكون بوابة لاستيراد ونقطة عبور للهيدروجين ومركز للصناعات المرتبطة به، من بين هذه الموانئ في الاتحاد الأوروبي: ميناء امستردام ورورتدام في نيذلاندز، ميناء انتويرب في مملكة بلجيكا، وميناء روستوك في جمهورية ألمانيا.

تحظى سلطنة عمان بعلاقات متينة وراسخة مع العديد من هذه الدول كمملكة بلجيكا، ومملكة نيذرلاندز، وجمهورية ألمانيا، وجمهورية سنغافورة، وجمهورية كوريا، واليابان. وكما تعزز زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله – إلى مملكة بلجيكا، وقبل ذلك إلى جمهورية سنغافورة وجمهورية ألمانيا، من التعاون الثنائي بين سلطنة عمان وهذه الدول، بما يسهم في فتح فرص استثمارية مشتركة في مجالات عدة ولاسيما في مجال التحول في الطاقة والهيدروجين.

وضعت الحكومات المختلفة تشريعات تدفع القطاعات المختلفة نحو التحول في الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية. فيخطط الاتحاد الاوروبي على سبيل المثال إلى تفعيل الآلية الحدودية لضبط الكربون بنظامها النهائي في عام 2026 لسلع محددة وهي: الحديد، والاسمنت، والاسمدة، والهيدروجين، والألومنيوم، والكهرباء بالتوازي مع التخلص التدريجي من الارصدة التابعة لنظام تداول الانبعاثات المعمول به. الاطار التشريعي الصادر من الاتحاد الأوروبي للطاقة المتجددة كذلك يستهدف أن تكون حصة الهيدروجين الاخضر من مجمل استهلاك الهيدروجين في القطاع الصناعي 42% و1% من مجمل الطاقة المستهلكة في قطاع النقل كحد أدنى في عام 2030، وعلى دول الاعضاء وضع خارطة طريق للقطاعات المختلفة واعداد الخطط التحفيزية. عوضا عن ذلك اطلق عدد من دول أعضاء الاتحاد الاوروبي كألمانيا نظم محلية للتبادل الكربوني كحل مكمل للنظام المتبع في الاتحاد الأوروبي لرفع أسعار الكربون; وقد تُفرض غرامات اضافية في المستقبل على المعتمدين على الهيدروجين التقليدي. وفي اليابان، من المتوقع أن تفرض الحكومة ابتداءا من عام 2026 على الصناعات المحلية ذات الانبعاثات الكربونية العالية سقف أعلى للرصيد كربوني وغرامات مالية في حال تجاوزت الحدود المسموح بها من خلال نظام تداول الانبعاثات المحلي.

ولا يقتصر الامر على وضع مستهدفات وادخال اسواق للكربون، ولكن أيضا وضعت هذه الحكومات حوافز مادية لمنتجي الهيدروجين الاخضر ولتطوير البنية التحتية المشتركة. فعلى سبيل المثال، اطلق الاتحاد الاوروبي بنك الهيدروجين، ومنصة لدعم سوق الهيدروجين الاخضر من خلال طرح المزايدات العامة المزدوجة، وصندوق الابتكار الاوروبي. وكذلك قامت الحكومة الألمانية بالاعلان عن تطوير 9 ألاف كيلومتر من خطوط الانابيب الهيدروجين بحلول عام 2032 بقيمة مجملة تصل إلى 19 مليار يورو. وكذلك، قامت جمهورية كوريا واليابان بطرح مناقصات تدعم فارق التكلفة ما بين الوقود الاحفوري والهيدروجين النظيف. هذا من شأنه رفع بالمجمل الرغبة الشرائية للهيدروجين الاخضر; وبدأ بالفعل ازدياد أعداد مشاريع الهيدروجين الاخضر تحت الانشاء وكميات الانتاج بشكل تدريجي. فمن ضمن المشاريع قيد الانشاء: مشروع ستيجرا في بودن، السويد لإنتاج الحديد الاخضر بسعة 700 ميجاواط للمحلل الكهربائي، ومشروع هولاند هايدروجين في روترودام بسعة 200 ميجاواط للمحلل الكهربائي، ومشروع نيوم في المملكة العربية السعودية بسعة إنتاجية تزيد عن 200 ألف طن سنويا من الهيدروجين الاخضر، ومشروع مينتال في الصين للأمونيا الخضراء بسعة إنتاجية تصل إلى 650 ألف طن في السنة، وغيرها. تسهم هذه المشاريع الرائدة في تراكم المعرفة وخفض الكلفة الانتاجية كلما زادت. وستظل هذه الادوات الداعمة مؤثرة بشكل كبير على تحديد سرعة تطور اقتصاد الهيدروجين الاخضر في السنوات القادمة. هذا إلى جانب عوامل أخرى سواءا كانت تكنو-اقتصادية كتطور التقنيات المرتبطة بإنتاج الهيدروجين الاخضر وانخفاض تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة، أو مؤثرات أخرى عالمية تؤدي إلى البحث عن حلول بديلة لتعزيز أمن الطاقة وتنويع اسواقها- كأثر حادثة فوكوشيما، اليابان أو حرب روسيا وأوكرانيا.

ظهر من خلال هذه العوامل دور المُجّمعي اللهيدروجين (Aggregators)، حيث تقوم هذه الجهاتة بربط المنتجين بالاسواق النهائية للهيدروجين الاخضر، ومن الممكن أن تكون هذه الجهاتة عامة أو خاصة. تسهل هذه الجهاتة عمليات التعاقد، وربط المطور بالمشتري استكمالا لسلسلة التوريد، والشراكة مع مقدمي الخدمات اللوجستية والموانئ، وتأمين اتفاقيات شراء طويلة الأجل. فتقوم هذه الجهة بتلبية الطلب من عدة قطاعات تشمل: مراكز البيانات، ومعامل تكرير النفط، ومصانع الحديد، والاسمدة، والنقل، وشبكات نقل الغاز، وأشباه الموصلات، ووقود الطيران المستدام. فقد يكون لدى عدد من المشغلين الرغبة في الاستفادة من الهيدروجين الاخضر بكميات محدودة، ولكن بالمجمل يصل الطلب إلى أحجام تجارية. على سبيل المثال، تعمل شركة الطاقة الالمانية EnBW وشركة الغاز VNGعلى مركزة أنفسهما كمجّمعي للطلب على الهيدروجين الاخضر داخل الاتحاد الأوروبي. حيث تقوم الشركتين بالدخول في مفاوضات مع القطاعات المهتمة بالهيدروجين الاخضر، وتحديد اسواق الهيدروجين ومشتقاته في الموانئ كامستردام وروتردام في نيذرلاندز وروستوك في جمهورية ألمانيا، والمناطق الصناعية الداخلية في الاتحاد الأوروبي. ويُكمل هذا النهج على سبيل المثال الاشتراطات التي وضعتها هيئة حكومة نيذرلاندز للمستهلكين والأسواق (ACM) والتي الزمت مشغلي محطات الاستيراد والتخزين المستقبلية في الموانئ بتوفير خدماتهم للطرف الثالث.

وفي جمهورية كوريا تخطط كذلك وزارة التجارة والصناعة والطاقة على تطوير مجمعات صناعية للهيدروجين في ثلاثة مدن ساحلية وهي: سامتشيوك، ودونجهاي، وبوهانج، حيث ستسهم هذه المجمعات بتنظيم قطاع الهيدروجين محليا، وتوسيع الطلب الكلي من خلال اتباع النهج المركزي، استيفاءا للحاجة إلى بنية تحتية مشتركة لتسهيل عمليات الاستيراد والانتاج والتخزين و النقل، إلى جانب تشجيع الشركات ذات الصلة بنقل عملياتها إلى هذه المجمعات وتطوير المشاريع التجريبية والتجارية. وكذلك تقوم وزارة الطاقة والتجارة والصناعة في اليابان من خلال قانون “تعزيز مجتمع الهيدروجين” على تطوير مجمعات صناعية معتمدة على الهيدروجين، ومن المتوقع أن تختار الحكومة ما بين ثمانية إلى عشرة مجمعات صناعية خلال العقد المقبل، مع التركيز، على وجه الخصوص، على ثلاث مجمعات كبيرة الحجم في الموانئ الاساسية وخمس مجمعات أخرى متوسطة الحجم في المواقع الإقليمية في جميع أنحاء اليابان.

وتقوم وزارة الطاقة والمعادن وشركة هيدروجين عمان (هايدروم) بالتعاون مع المُجِّمع والموانئ في مناطق مختلفة حول العالم لتسهيل ربط مطوري الهيدروجين الاخضر محليا بالاسواق النهائية. حيث تعمل الوزارة و هايدروم على سبيل المثال مع شركائها EnBW وميناء أمستردام لدراسة احتياجات السوق الاوروبيمن جهة وميناء سنغافورة من جهة اخرى لدراسة احتياجات السوق الاوروبي والاسيوي للهيدروجين، وأفضل الطرق لنقل الهيدروجين أو أحد مشتقاته، وتأثير التشريعات والخطط الداعمة على اسواق الهيدروجين، ومدى الاستعداد الشرائي للهيدروجين في القطاعات والشركات المختلفة، وتحديد نطاق القدرة الشرائية القصوى للاسواق واستيعاب كميات الطلب. وكذلك تقوم هايدروم بربط مطوري الهيدروجين الاخضر في سلطنة عمان بهذه الجهات لتسهيل عمليات التفاوض والتعاقد والمضي قدما في الوصول للمبتغى وهو تحقيق القرار الاستثمار النهائي من قبل المطورين في السلطنة. وتدرس الوزارة كذلك الفرص الاستثمارية للانواع المختلفة من الهيدروجين النظيف، منها الجيولوجي (الطبيعي) والازرق، والامكانات المتعلقة بتطوير سلاسل الامداد سواءا كانت محلية أو عالمية. الفرصة متاحة أيضا لدخول الشركات العمانية لتطوير شراكات استراتيجية لتحقيق التكامل العامودي لسلسلة القيمة للهيدروجين وتسهيل الوصول إلى المشتري النهائي.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights