2024
Adsense
مقالات صحفية

مقال: حرية مقيدة .. كما يعتقد

أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

ترنو كل مخلوقات هذا الكون الى أي شيء اسمه الحرية، الى أي شيء يخرجها من عقال القيد، الى شيء يتيح لها نفسا آخر في مفهوم الحياة، الى أي شيء ترى فيه ان شخصيتها الاعتبارية لا تتحقق الا بهذه الخطوة أو تلك، حتى وإن كلفتها هذه الخطوة أو أي شيء من هذا القبيل روحها؛ ونفسها؛ وديمومتها في هذه الحياة، ذلك مبلغ كل الكائنات بلا استثناء، ولعلنا نرقب هذا الحراك الصامت والمتحرك أحيانا عند كل الكائنات، وكل يعبر بطريقته الخاصة.

ويأتي الانسان هذا المخلوق العاقل الواعي المدرك لكثير من قضاياه ليجد في هذه الثيمة “الحرية” متنفسه ومنطلقة وسموه البعيد، ويرى بدونها أنه لن يكون شيئا مهما في هذه الحياة، ويرى من دونها أنه أدنى مخلوقات هذه الحياة، وفي المقابل يرى أن كل ما يعترض طريق تحقيق هذه الحربة وفق رؤيته هو فقط أن ذلك تقييد لهذه الحرية وبالتالي لا بد من المجابهة، ولو أدت هذه المجابهة الى دفع ثمن ما، حتى لو وصل الأمر الى التضحية بالنفس، هذه إشكالية قديمة، لا جدال حولها، ولذلك تأتي القوانين المنظمة، والأعراف المتفق عليها، لتحد من الصورة المختزلة لمعنى الحرية في بعض المفاهيم، وللصورة المطلقة لمعنى الحرية في مفاهيم أخرى أيضا.

تسعى المؤسسات بمختلف أنواعها الى تنظيم هذا المفهوم في الوعي الجمعي، أو العقلية الجمعية، وذلك من خلال أطر قانونية، وتربوية، وعرفية، ويأتي في مقدمتها الأطر التربوية، التي لو تربى عليها الناس بصورتها النظيفة الواضحة، فإن فهم الحرية يبقى بعد ذلك فهما واضحا، ومستوعبا من قبل جميع أفراد المجتمع، وفي المقابل إن أتت الصورة مشوهة، وهي الغالبة هنا، فإن مفهوم “الحرية” يبقى مفهوما مشوشا، وعلى أساس هذا التشويش يبقى هذا المفهوم خاضع لفهم كل واحد على حدة، ومن هنا تأتي الصراعات الإنسانية المختلفة، ومن هنا تأتي الحروب والمشاكل، والقضايا المختلفة التي تنشب بين أفراد المجتمع الواحد، وبين مختلف المجتمعات الأخرى البعيدة والقريبة على حد سواء، وهذا ما تعارفت عليه الإنسانية منذ نشأته الأولى وحتى اليوم، وكل عوامل المعرفة وتأثيراتها المختلفة لم تحرك ساكنا في وعي هذا الإنسان ليغير شيئا من قناعاته فيما يخص هذه الثيمة “الحرية”، ولذلك هو يتجاوز القوانين والأنظمة، ويهادن، ويخون، ويرتشي، ويمارس كل الموبقات المهم أن لا يقف أحد ما، أو شيء ما، أمام ما يصبو إليه، وما يطمح إليه، وما يود تحقيقه ويلبي غروره ويحقق ذاته.

يظل مفهوم الحرية وفق ما تمت الإشارة إليه مفهوما نسبيا، فما يراه أحدنا تكبيلا لحريته، يراه آخر نوعا من التنظيم، والعكس تماما أيضا، ومن هنا أيضا تأتي أهمية القوانين والأنظمة التي تحدد المساحات الآمنة للأفراد لكي يمارسوا خلالها حرياتهم، وما يودون تحقيقه، وبالتالي أي خروج عن هذه الصورة يعتبر تجاوز لحدود الحرية الشخصية وصداما مباشرا مع حرية الآخرين، والإشكالية الأهم هنا في هذا السياق عندما لم يكتمل الوعي لدى الفرد أن جملة القوانين والأنظمة لم تأت إلا لحمايته من مغبة الانجرار؛ أو الانسياق وراء أهوائه فقط، فالفرد الواحد مهما بلغ به الفهم مبلغ الرشد، يظل محتاجا الى وعي أكبر، وهذا الوعي الأكبر لن يتحقق الا من خلال الفهم المؤسسي للأنظمة والقوانين، شريطة أن تجد هذه الأنظمة والقوانين الأرضية الصحيحة للتطبيق، وإلا ستظل الممارسات تراوح مكانها مهما امتد العمر بالأجيال.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights