الصوم والحساسية الانفعالية
د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي
الصوم فضيلة وفريضة شرَعها الله عزّ وجلّ لعباده لحكمة ربانية ونفعٍ للبشرية، فقد خلق الله العباد وهو أعلم بهم، فالنفس البشرية كما تميل للخيرات والطاعات فإنها أيضاً تميل إلى غير ذلك من المنكرات، وغيرها من سلبية العادات مثل الكسل والتراخي والبغضاء تجاه الآخَرين.
ولعبادة الصوم لمدة ثلاثين يوماً من طلوع الفجر وحتى أذان المغرب تأثيرات لا يمكن التغاضي عنها، سواء على النفس أو الجسم، فللامتناع عن الطعام والشراب والشهوات المختلفة أثرٌ جسميٌ تنعكس آثاره على النواحي النفسية، والصائمون في هذه الحالة هم أحد فريقين، الأول: يرى في ترك الطعام والشراب والشهوة سبباً في التخلص من سلبيات شخصية وتقوية إرادة حقيقية، والتزامات دينية وروحية تهذّب النفس وتروّضها، وتحسّن من تقوية الروابط العاطفية مع الأشخاص.
والثاني: نجد فيه بعض الأفراد يتّصفون بالحساسية الانفعالية الزائدة تجاه ردود أفعال الآخرين، فقد يفسرون أقوالاً أو افعالاً على غير حقيقتها، وهؤلاء الأفراد من ذوي الحساسية الانفعالية، فلديهم حالة من عدم القدرة على التحكم في حساسيتهم وانفعالاتهم، بالإضافة إلى التذبذب الذي يُوجِد حالةً من التأثر الشديد بمواقف عادية لا يعبأ بها الآخرون؛ مما ينتج عنها سوء الظنّ والغضب والحزن وعدم تحمّل النقد والإفراط في الانفعالات، مع عدم القدرة على الثبات الانفعالي، وهذه هي الحساسية الانفعالية السلبية.
ويولد من رحم الحساسية الانفعالية نوعٌ آخَر من الحساسية وهي الحساسية الانفعالية الإيجابية، حيث يمكن لفريضة الصوم أن تنمّي في صفات الأفراد بعض الجوانب الإيجابية كالمَيل العاطفي للقرب من بعض الأفراد، وخصوصاً ذوي الحاجة والعوَز، وذوي عدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة، فتنشأ تجاههم حساسية انفعالية إيجابية؛ تسهم إيجابياً في الحرص على التعرف على مشاعرهم وأحوالهم وتفهمها والتعاطف معها، خصوصاً إذا كانوا ممن يمرون بظروف صعبة، ولا يشترط في هذا المقام لهؤلاء الأفراد من ذوي الحساسية الانفعالية الإيجابية أن يكونوا أثرياء أو مقتدرين مادياً؛ ولكنها مشاعر الحساسية والإحساس بالآخرين، وعليه فإن الصوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحساسية الأفراد الانفعالية؛ ولذا فإنه ينبغي على الآباء والأمهات أن يقوموا بزرع بذور إيجابيات الحساسية الانفعالية لدى الأبناء من خلال ارتباطها بالتدريب على الصوم، وتوضيح ماهيّة العلاقة بينهما تمهيداً لغرس الفكرة في العقول، وكذلك زرع بذور ثمار الشخصية وتكوينها وتأصيل أركان الإسلام ومنها الصوم، وتوجيه آثاره الانفعالية والاجتماعية.