2024
Adsense
مقالات صحفية

ما يجب علينا بعد منفعة كبار السن والطفولة

سعيد بن سالم الغداني
(Said2312009@hotmail.com)

لم يتبق عن استقبالنا الاستقبال الأمثل الممزوج بمشاعر الفرح والسعادة للحماية الاجتماعية الخاصة بمنفعة كبار السن والطفولة إلا أياماً قلائل، هذه المكرمة السامية التي انفردت بها سلطنة عُمان عن كثير من الدول العربية والأجنبية، وما سبقتها من المكرمات التي تفضل وأنعم بها جلالة السلطان / هيثم بن طارق آل سعيد حفظه الله ورعاه، لأبناء شعبه الوفي، جاءت ضمن سلسة مكرمات سامية أثلجت وأبهجت صدر كل عُماني، ورسمت على محياه الابتسامة العريضة، فالسواد الأعظم من الشعب يعيش في نمو ورخاء وسلام، وأمن وأمان. وأصبحت عُمان تباهي الكثير من الدول المتقدمة والمتطورة بالعالم، ونثق تماماً أن القادم سيكون أجمل وأحلى في بلدنا بإذن الله، فجلالته قاد البلاد بنهضة متجددة، فقال وصدق ووعد وأنجز وأوفى.

ولكن بقدر عظمة وعلو شأن ومكانة هذه المكرمة، وما تمثله من أهمية بالغة لكثير من فئات المجتمع فيما يتعلق لسد جانب كبير من احتياجاتها، إلا أن هناك أمراً هاماً بعد استلام المكرمة يجب أن نتوقف معه، ونعطيه جل اهتماماتنا وهو؛ إنني أشد على أيدي الأبناء البارين بوالديهم والمنفقين على أقاربهم وأرحامهم من ميسوري الحال بأن تبقى أياديهم البيضاء ممدودة إلى الخيرات كسابق عهدها، وأن لا تكون تلك المكرمة ذريعة لوقف حسناتهم وعطاياهم التي اعتادوا دفعها لآبائهم وأمهاتهم وأقاربهم خاصة، والمعسرين في بلدهم عامة فإن مطالب الحياة كثيرة ومتعددة، والأسعار في مؤشر الارتفاع بين الفينة والفينة الأخرى، وكذلك الفئة القادرة من عموم الناس والتي أنعم الله عليها من واسع فضله أن لا تتوقف عن العطاء ومساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين، ودعم ومساندة الجمعيات الخيرية في البلاد؛ فالمال الذي نملكه ليس مالنا، بل هو مال الله، ونحن فقط مؤتمنين عليه. يقول تعالى: {… وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ }-[من آية: ٣٣ سورة النور]. فإن في الإنفاق على الوالدين ومن نعول وفي سبيل الله الفضل العظيم والنماء الكثير للمال وحلول البركة علينا وعلى بيوتنا وذريتنا، بإذن الله.

ولا شك أن ديننا الإسلامي الحنيف حث على الصدقات في كثير من الآيات الكريمة وجاءت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على بر الوالدين والانفاق في سبيل الله، والجزاء العظيم من الله في الدنيا والآخرة للبار وللمنفق، ولنا المثل الأعلى في قصة سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه مع أحد أقاربه الفقراء؛ إذ كان رضى عنه مخصص له نفقة شهرية لسد حاجياته، ولكن عندما سمع عن هذا القريب أنه خاض ضمن الخائضين في حديث الإفك، الذي اتهمت فيه أمنا السيدة/ عائشه رضى الله عنها بالفعل الفاحش-حاشها وكرمها الله-، وهذه التهمة الشنيعة والكذبة العظمى جاءت من أحد المنافقين عليه لعنة الله، لكن الله برأها من هذه التهمة الدنيئة بنزول آيات قرآنية تتلى إلى يوم الدين، فالشاهد أن سيدنا أبو بكر الصديق رضى عنه من الأغيار وكإنسان له مشاعر وأحاسيس انزعج من تصرف هذا القريب الناكر للجميل، وقرر وقف النفقة عنه، لكن الله أنزل آيات قرآنية تعاتب فيها سيدنا أبو بكر وتأمره بالعفو والصفح وإعادته النفقة لقريبة فقال تعالى: {وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ}-[سورة النور، آية:٢٢].

ولو رجعنا للوراء تحديداً ما قبل السبعينيات حيث لم تكن هناك وظائف، ولا معاشات الضمان الاجتماعي، ولا جمعيات وفرق خيرية تساعد المحتاجين، كما هو ملموس الآن، فالناس يتسمون بالبساطة ويعيشون على الكفاف؛ لكن الكرم والإيثار على النفس وصلة الأرحام والترابط والتكاتف الأسري؛ هي سمات يتميز بها المجتمع العُماني عن كثير من المجتمعات، ولله در صاحب الحكمة العربية القديمة “من لم يكن له ماض فليس له حاضر”، وهنا أتذكر أيام زمان قبل شق الطرق وربط المناطق بعضها ببعض، عندما كنت في باكورة العمر، ما زلت أتذكر نوعاً من الإيثار ، كان الرجل يذهب باكراً من قريتنا الساحلية إلى إحدى قرى الريف الزراعية سيرا على الاقدام، ويعود في المساء ومعه ( قفير) من الرطب؛ فيقوم بتوزيعه على المنازل، فأحياناً يكون نصيب المنزل الواحد أربع أو ثلاث رطبات تسمى محلياً ( تبشورة )، فالناس تفرح وتسعد بهذه العادة الحميدة، هذا النوع من الإيثار وغيره لا يتسع المجال لذكره كنا نألفه ونراه رأي العين في مجتمعنا العُماني، كما أن هناك الكثير من المجتمعات العربية ليست بمنأى عن مجتمعنا في هذا الجانب، فقد سمعت فضيلة الشيخ / محمد الشعراوي -رحمة الله عليه- ذات مرة في برنامج خواطر إيمانية بإذاعة القرآن الكريم العُمانية يقول، عن أحد السلف الصالحين: “دق باب منزله أحد المحتاجين من الحي وأعطاه من المال ما يسد حاجته، وامرأته تراقب الوضع فرأته يعود إلى داخل المنزل باكيًا، فسألته “ما يبكيك وقد عطيت السائل حاجته؟”، فرد عليها “هذا الرجل من الحي الذي نسكنه، ويصلي معنا الصلوات الخمس في المسجد، وكان عليّ أتفقد وأتحسس حالته المادية وظروفه الأسرية، وبعد التعرف على أحواله أسارع وأمد إليه يد العون والمساعدة ولا أتغافل عنه حتى أدعه يأتي إلى منزلي منكسرا ذليلا ليسألني حاجته”.

في واقعنا الحالي، ونحن نعيش عصر التقدم والتطور التكنلوجي، والثورة الصناعية والرقمية، وبعد تغلل المدنية في الحضر والبادية، ورغد العيش؛ تناسينا مآثر ومناقب ماضي الأجداد والآباء الجميل، وترابطهم وتكافلهم الاجتماعي، وأصبحنا عبيدا لشهوة المادة والشهوات الأخرى، وغلب علينا حب الأنا والذات، فصدق فينا قول رسولنا عليه الصلاة والسلام: (يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ).
الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights