رسالة إلى “فتاة عربية”
سلمى سر الختم
ربما تساءلتِ كثيراً:
أيّ لعنة أصابتكِ؟ وأيّ قَدَر لك؟ الذي جعلكِ مَرتعاً للّمس والعين والشعوذة، حتى أصبح ذلك جزءً لا يتجزأ من حياة معظم فتيات الشرق الأوسط.
ولربما حيّركِ سؤالٌ آخر، لماذا وأنتِ العفيفة الطاهرة البريئة، اللطيفة الخجولة الملتزمة المحتشمة، بل والمتديّنة التي لا تنفكّ عن قراءة الأذكار صباحاً ومساءً، وعند أكلها وعند نومها وعند دخولها المنزل وخروجها.
ومع هذا كله ما زلتِ الأكثر عرضة للإصابة بالعين والمسّ، وتلمسين النقيض تماماً عند المرأة الغربية المتبرّجة، الكاسية العارية المائلة المُميلة، فهي لا تكاد تسمع عن العين والمسّ.
ثمة طيفٌ واسعٌ من تلك الأسئلة، ربّما سطع في عقلكِ يا عزيزتي، وهذا بديهيّ، وإن عدمتِ التفسير فأنا اليوم أسوقه إليكِ، فقد أطلقتُ لفكري العنان لصياغة منظومة مقاليّة فريدة، تروّح عن النفوس، وتناقش الأفهام، وتفنّد كل الأساطير.
وقد وجدتُ من المحتّم عليّ كتابتها لِما رأيتُ وأرى من معاناة فتياتنا في الشرق، وللأسف بما فيهن؟ بعض طالبات الثانوية والجامعات.
عزيزتي:
إنّ لكلّ مجتمع عادات وروحانيات وثقافات، ولا ضير، فاحترام الموروث الدينيّ الثقافيّ أمرٌ ضروريٌّ، ولكن بشرط ألا نتحمّل التفسيرات الخاطئة لذاك الموروث، لا سيما عندما تكون مجحفة مع البعض، وفيما يلي تفنيدها:
لن أكون كالعالِم الغربي ريتشارد دوكينز، وأقول لكِ بأن السِّحر والشعوذة والجنّ، عبارة عن محض خرافات سيطرتْ على العقل البشريّ للإنسان البدائيّ، وكل ما يُنسب إليها من أعراض تظهر لدى الإنسان، فإنما هو مرتبط بالعوامل النفسية والتغيرات التركيبية والوظيفية لأجزاء معينة من الدماغ، لا سيما المنظومة الحوفية Limbic system حسب ما يقوله الطب الحديث، فمثل هذا الكلام لن يجدي نفعاً مع الأشخاص المتحفظين، وأصحاب العقائد، ومن ناحية أخرى لن أحاول استنهاض الروح الأنثوية فيكِ على حساب قيَم ومعايير مجتمعنا المحترم.
ولكن من بين كل تلك الأساليب والطرُق، اخترتُ الأسهل والأمن والأفضل.
فيا عزيزتي:
إنني أُحمّل المسؤولية الكاملة لأولئك الذين ثبّتوا في رأسكِ أن العين حقّ، وأنها تسبق القدَر، قبل أن يجعلوكِ تعي أن الضارّ والنافع هو الله وحده.
أحمّل المسؤولية لأولئك الذين أخبروكِ أن المسّ والسحر حقّ، وجعلوا مجرد كلامكِ في بعض الأماكن مَدعاةً ومبرراً للمسّ، ولم يخبروك أن الجن خلقٌ آخر “والجان خلقناه من قبل من نار السموم” فأنتِ أمام خيارين:
إما اعتبار ذلك كله محض خيال، وتعودين إلى نفسك، وتدركين ذلك تمام الإدراك، أو اعتبار وجودهم حقيقياً ولكن لا حجّة دينية لهم حتى بالظهور أمامنا، أو المساس بأحد من البشر.
وكمتديّنة، فالنفس التي بين جنبيك لا يتصرف بها سوى خالقها.
عزيزتي، إن العيوب الكبيرة لدى أولئك أنهم يزايدون في تلك الأمور، بل ويقدسونها، وإنكِ متى استسلمتِ لذلك ستجدين نفسكِ بين كارثة الفِكر، ومستنقع المرض، وربما حدثت لكِ أعراض ما يسمونهم بالمسحورين، فمعلوم أن جسم الإنسان لديه قابلية كبيرة للإيحاء والتخيلات كما أثبتت التجارب السايكولوجية، كاستخدام قطعة معدنية باردة مطلية بلون أحمر تحاكي التهاب النار لكيّ إنسان موثّق بالحبال، فتفاعل جسمه مع هذا بأماكن حروق فعلية.
عزيزتي:
إما أن تقعي ضحية تفسيراتهم المغلوطة، أو أن تثقي بخالقك وتتوكلي عليه وتوقني بأنه لن يستطيع أحد إيذاءك.
فعندها لا خوف من أن ترى النسوة ابنك الصغير الجميل، ولا خوف إن رأين جمالك الفاتن، فلن يصنعن شيئاً حتى لو خرجت أعينهن إلى الأرض. ولا خوف أو هجران لغرفة لأن فتاة ما دخلتها، وربما وضعت سحراً، ولا خوف على ممتلكاتكِ وأشيائكِ إلا من السرقة.
إذا آلمكِ رأسكِ، فاتّجهي نحو الصيدلية، وإذا تعكّر مزاجكِ، خذي قسطاً من الراحة، وإذا ارتفعت درجة حرارة طفلك، فأبقيه بعيداً عن الشمس أو خذيه لمركزٍ طبّي، وهكذا بعيداً عن الجنّ والسحر، ودون تخيّلات ستحظين بحياة آمنة مطمئنة، وتؤدّين حقّ خالقكِ وحقّ نفسكِ وأسرتكِ،
لا خلاف بأن الرجال مستهدفون أيضاً، وإنما تناولتُ النساء كونهنّ الشريحة الأكبر للموضوع، وإني لآمل من كل متعلمة أن تنشر الوعي فيمن حولها.