صناعية ولايتي .. باتت مدينة أشباح
سالمة هلال الراسبية
باحثة تربوية
بالرغم من الجهود الملموسة والتي كانت تبذلها وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه (والتي تم إلحاقها بمكاتب المحافظات لاحقا) واهتمامها بصحة الأفراد وسلامة البيئة، إلا أن هنالك قراراً يشعر المواطن بالأسف لما آلت إليه المناطق الصناعية في حدود بعض الولايات، والتي تحولت إلى مدن أشباح في تصور بعضهم.
وحسب رأيي ككاتبة وما لاحظته في حدود ولايتي – ولا أعلم إن كان مَنْ يتفق معي في هذا الأمر- حيث بات من الأهمية بمكان وضع عدسة المجهر على مسبباته للحد منها؛ حتى لا تبقى آثارها ممتدة!
ولتوضيح الأمر أكثر للقارئ، كان قرار 69/2000 والذي أُلغِيَ لاحقا- يتضمن لائحة الاشتراطات الصحية الخاصة بالأنشطة المهنية والصناعات البسيطة، حيث إنه في مادة رقم (5) من الباب الأول يتم ترخيص إقامة ورش السيارات ومتعلقاتها أو المغاسل في المناطق الصناعية بالولايات، وجاء ذلك القرار انطلاقا من حرص الوزارة للمحافظة على صحة الأحياء السكنية وسلامة البيئة بالولايات؛ فالمناطق الصناعية تبعد غالبا 5 كيلو عن الأحياء السكنية بالولايات، وهذه مسافة معقولة، بينما جاء قرار 29/2016م والذي اُستحدث بعد القرار السابق، وينص في بعض مواده أن تقام (ورش السيارات وتبديل الإطارات ومغاسل السيارات بالقرب من الشوارع والمحلات التجارية بالولايات)!!
فهذا القرار للأسف الشديد رغم انتفاع عدد من المواطنين منه إلا أنه مما ترتب عليه هجرة الورش المتعلقة بالسيارات إلى الخطوط الأمامية للشوارع العامة.
أما المناطق الصناعية فاقتصرت على محلات الحدادة والنجارة والألمنيوم ومصنع للطابوق وعدد من الأنشطة البسيطة الأخرى، وهي محدودة جدا مما أدى إلى ركود السوق الصناعي وإغلاق الكثير من المحلات، وتسبب بخسائر كبيرة لأصحابها.
يجد المتجول في الشارع العام خطا كاملا من الأنشطة الصناعية المتعلقة بالمركبات بالقرب من صيدلية أو مقهى أو مطعم؛ مما أدى إلى تلوث بصري وصحي، فلا تستغرب أن تخرج من صيدلية حاملا دواء للحمى لتجد محل تبديل إطارات السيارات ملاصقا للصيدلية، وتشتري فاكهة من محل لتجد بالقرب منه مغسلة سيارات!!
هل تحرك صانع القرار بمركبته لمتابعة سير العمل في صناعيات الولايات؟!
هل يعقل ألا يُعاد صياغة القرار بحيث يكبح جماح المحلات المختصة بالصناعات المهنية والخدمات المتعلقة بالمركبات، والتي هي في تزايد مستمر بالقرب من الأحياء السكنية؟!
بينما بنايات كاملة مغلقة بمحلاتها بالصناعية ناهيك عن وجود منطقتين صناعيتين أو أكثر في ولاية واحدة، أين التنظيم؟
من المؤسف جدا أن المستهلك البسيط يعاني من ارتفاع أسعار المعيشة والضرائب، حتى يأتي قرار ليضر بصحته البدنية وسلامة بيئته.
نرجو من سعادة المحافظ بجنوب الشرقية والذي نضع ثقتنا فيه -وسعادته أهل لذلك- وبالتعاون مع المجلس البلدي الجديد- النظر والوقوف على الوضع الراهن، ودراسة جدية تعديل القرار لمزاولة الأنشطة المتعلقة بالصناعات المهنية (الورش المختصة بالعناية بالمركبات بشكل عام) بإعادتها الى المناطق الصناعية لإنعاش السوق، والاكتفاء بنشاط واحد أو اثنين مختص بالسيارات ونظافتها بالقرب من- محطات تعبئة الوقود فقط- كما جاء في القرار السابق (69/2000) لنفس البنود، والحرص على وجود صناعية واحده فقط في كل ولاية، تفاديا لأي ضرر يمس بصحة البشر، ومنعا لمصادر الضوضاء والإزعاج، وحرصا على سلامة البيئة، والتخلص من المخلفات الصلبة والسائلة، ونظافة الأجواء مما يسهم التنمية في المستدامة، وجعل الولايات مناطق قابلة للعيش على المدى القريب والبعيد.