الجمعة: 18 أبريل 2025م - العدد رقم 2524
Adsense
بدون تصنيف

احترام الكبير في المجتمع العماني.. بين الماضي والحاضر

سلسلة سمتي عماني 

النبا -محمود الخصيبي

في مجتمعٍ يمتد جذوره في التاريخ، ويرتكز على القيم الإسلامية العريقة، يظل احترام الكبير واحدًا من الأسس التي تُشكل هوية العماني الأصيل. لكن مع تطورات العصر، يثار التساؤل: هل لا يزال احترام الكبير حاضرًا بقوة كما كان في الماضي؟ أم أن هذه القيمة بدأت تتراجع أمام رياح التغيير؟

للإجابة على هذا السؤال، التقينا بالفاضل شريف بن خلفان العاصمي، الذي حدثنا بحماس عن هذه العادة الراسخة، متطرقًا إلى ماضيها العريق، وحاضرها المتجدد، ومستقبلها الذي يستدعي اهتمام الجميع.

أصالة الاحترام في المجتمع العماني

يبدأ العاصمي حديثه بابتسامة هادئة، ويقول:

“المجتمع العماني مجتمع متماسك، محافظ، يستمد قيمه من حضارته الإسلامية الناصعة التي تحث على كل فضيلة وتنهى عن كل رذيلة. نحن لم نتعلم احترام الكبير من الكتب أو المحاضرات، بل ورثناه بالفطرة، من مشاهد يومية راسخة في بيوتنا ومجالسنا وأسواقنا. كان احترام الكبير بمثابة قانون غير مكتوب، لكنه كان واضحًا في كل تصرفاتنا.”

ثم يسترجع ذكريات الطفولة، ويضيف:

“كنا لا نتقدم على آبائنا وكبارنا في أي شيء؛ ننتظرهم ليأكلوا قبلنا، ليشربوا قبلنا، ليدخلوا المجلس قبلنا. حتى في الصلاة، نصطف بعدهم. إذا صافحناهم، مددنا كلتا اليدين احترامًا. لم يكن هذا مجرد سلوك، بل كان أسلوب حياة يعكس مدى تقديرنا لمن سبقونا عمرًا وحكمةً.”

الاحترام في القرآن والسنة

يوضح العاصمي أن هذه القيم ليست مجرد موروث ثقافي، بل هي جزء من التعاليم الإسلامية التي حثّت على توقير الكبير. يقول مستشهدًا بآيات القرآن الكريم:

“الله عز وجل أوصى بالإحسان إلى الوالدين، وهذا يشمل كبار السن عمومًا، كما في قوله تعالى:

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُواْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٲلِدَيۡنِ إِحۡسَـٰنٗا﴾ (الإسراء: 23).”

ويضيف مستشهدًا بالسنة النبوية:

“النبي ﷺ جعل توقير الكبير علامةً على كمال الإيمان وحسن الخلق، فقال:

‘ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا’ (رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح). فهذا التوقير هو شكل من أشكال تعظيم الله، لأنه احترام لمن وهبه الله العمر والخبرة والحكمة.”

هل تغيّر احترام الكبير في العصر الحديث؟

عند طرح هذا السؤال، يأخذ العاصمي نفسًا عميقًا، ثم يجيب بواقعية:

“لا يمكن إنكار أن الحياة العصرية فرضت تحديات جديدة. وسائل التكنولوجيا الحديثة، والعولمة، وتغير أنماط الحياة، أثرت على بعض القيم الاجتماعية. أصبح الشباب أكثر انشغالًا، والتواصل الرقمي حلّ محل التواصل المباشر، مما قلل من فرص اللقاءات العائلية والمجالس التقليدية التي كانت مدرسة الاحترام الأولى.”

لكنه يستدرك قائلًا:

“ورغم ذلك، لا يزال احترام الكبير متجذرًا في النفوس. ما زلنا نرى الشباب يقفون احترامًا للكبار، ويقدمونهم في المجلس، وينصتون لهم، ويطلبون دعاءهم. نعم، قد نحتاج إلى إعادة إحياء بعض الممارسات الجميلة، لكن المجتمع العماني لا يزال يحتفظ بجوهر هذه القيمة النبيلة.”

كيف نحافظ على هذه العادة الأصيلة؟

بحماس واضح، يضع العاصمي بعض الحلول لضمان استمرار احترام الكبير:

1. القدوة الحسنة: الكبار أنفسهم يجب أن يكونوا قدوة في الاحترام، لأن الأطفال يتعلمون بالمشاهدة قبل التلقين.

2. تعزيز التربية الأسرية: يجب أن تحرص الأسر على تعليم الأطفال احترام الكبار من خلال السلوك اليومي وليس فقط بالكلام.

3. دور المؤسسات التعليمية: يمكن للمدارس أن تغرس هذه القيم من خلال القصص والمواقف التربوية والتفاعل المباشر مع كبار السن.

4. الإعلام ودوره التوعوي: يجب على وسائل الإعلام تسليط الضوء على أهمية احترام الكبير من خلال البرامج الثقافية والتوعوية.

5. إحياء المجالس العائلية: هذه المجالس كانت وما زالت منصة رائعة لنقل القيم بين الأجيال، ويجب ألا تندثر تحت وطأة الانشغال بالتكنولوجيا.

الختام: الاحترام روح المجتمع

يختتم العاصمي حديثه بكلمات مؤثرة:

“احترام الكبير ليس مجرد عادة، بل هو جزء من هويتنا العمانية، وهو عبادة نتقرب بها إلى الله. المجتمعات التي تحترم كبارها تظل قوية ومتماسكة، لأن الاحترام يعزز روح التراحم والمحبة. فكما قيل قديمًا: ‘الكبير بركته تملأ البيت، واحترامه يرفع قدرك في الدنيا والآخرة’.”

ويبقى السؤال مطروحًا لكل قارئ: كيف يمكننا أن نكون جزءًا من استمرار هذه القيمة الجميلة في مجتمعنا؟

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights