الفوضى، رأس الفساد الإداري
يوسف عوض العازمي
” لقد انتصر الإنسان في كل شيء، إلا ذاته فقد بقيت دائما متمردة غير خاضعة لتهذيب أو إصلاح “
(تركي الحمد)
أحد الأصدقاء تقريبا في كل جلسة أو لقاء ينتقد الأوضاع العامة، ويزبد ويرعد وبأن الأحوال ليست على ما يرام، وبأننا في حاجة لتغييرات شاملة في القوانين لمحاربة الفساد ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وبأننا وأننا وكأننا ولأننا وهكذا كانت أحاديثه، لدرجة تشعر بأن من أمامك ملاك طاهر مخلص للوطن، بل قد تتمنى أن يتبوأ سدة إحدى الجهات حتى يكون شمعة تحترق من أجل الوطن، هكذا هو الانطباع الأول.
هو نفسه لما تأتي الانتخابات يصوِّت لشخص مختلف اتجاهه تماما عن المبادئ التي ينادي بها، وعلى النقيض التام، تفكرت في حاله، تساءلت ثم سألته وتحاورت معه عن هذا التناقض الغريب، ثم كانت الإجابة الأغرب، وهي أن مصالحي هي الأهم وهي المبدأ الفعلي الأول، وكل شيء له الحق في السير بالطريق إلا عندما يصطدم بمصالحنا!
سألته: وما المصالح؟ ففهمت أن المصلحة الأهم هي بقاء الفوضى وتمرير المصالح تحت الطاولة بسلاسة، أي الواسطة وبقاء المحسوبيات وغير ذلك من صفات الفساد الإداري، أي أننا نتحدث بما لا نفعل، وأعتقد أنها حالة نفسية أكثر منها طبع إنساني، فهناك أناس بالفعل صادقون القول بالمناداة بالإصلاح وتعديل المعوج من الأوضاع، لكنهم في قرارة أنفسهم يخشون تأثير ذلك على مصالحهم الخاصة، ويعتقدون بأن الإصلاح المفترض هو في الحقيقة سيفا “موجها” إليهم، وهناك من ينادي للإصلاح إنما لايؤيد إجراءاته، تسأله لماذا يرد عليك بأن الإصلاح يستهدف نقاطا معينة، ويتجاهل ويمر مرور الكرام على غيرها، يقصد أن الإصلاح إذا وجد فهو يستهدف فقط نقاطا بعينها، وقد تتضرر مصالحه التي قد تكون ضمن هذه النقاط!
الحقيقة الناصعة إن الدعوة للإصلاح أيا تكن، فإن لم تكن شاملة وواضحة وموثوقة التتفيذ والإدارة وإلا فلا فائدة، أو كما قيل: كأنك يا بو زيد ماغزيت!
لا شك إن للفوضى حلفاء مخلصين كما أن للإصلاح حلفاء، والإصلاح في وضع سياسي يعايش متباينات متناقضة إن لم يكن واضحًا وصريحًا، وعلى الكل أن لا يفلت منه فاسد، وللكل أن يحقق المصلحة العليا للوطن والمواطن، وإلا لن تكن هناك فوائد، وقد يكون بقاء الوضع كما هو أفضل من مغامرات إدارية إصلاحية طائشة، ترمي كما يرمي الأعمى!
لعل أول مهام وإجراءات الإصلاح هو تسهيل الإجراءات، وجعلها للمواطن وليست عليه، والشفافية التامة بحيث تكون الأمور واضحة للجميع بما يقطع دابر أية محاولة فاسدة تستمد من بند الاستثناء طريقًا مفروشًا بالورود لتحقيق أي تجاوز وبداعي الصلاحية الممنوحة، أو وضع الصلاحيات في يد مسئول أعلى تكون أغلب التوقيعات الضرورية عنده، وهنا بالذات تصور لو هذا المسئول غاب يومًا عن الدوام، ما الذي سيحدث؟
الإصلاح عقيدة إنسانية، وأساس أخلاقي، وليس فقط إجراء إداري أو توقيعات لشاغل منصب وفق صلاحيات واسعة يستغل توقيعاته لإذلال المواطن وتحقيق مكاسب غير مشروعة!