الانضباط الذاتي، مسؤولية الإرادة الحرّة
د. فاطمة بنت محمد بن سالم الصالحية
يمثّل الإنضباط الذاتيّ الجسر بين الأهداف والإنجاز، ويعدّ مفتاحاً للنجاح، يرافقه خطوة بخطوة، وضرورة لا بدّ من توافرها لدى أيّ شخصٍ يطمح للنجاح في عمله وتحقيق رغباته، كما يعدّ عاملاً رئيسياً في ترتيب أولويات من الأعمال بشكل سليم، ومنحها الوقت الكافي لإنجازها، فضلاً عن أنه يساعد الأفراد على امتلاك طاقة لا يمكن أن تعوقها صعوبات العمل، وهذا السلوك يبدأ من الفكرة في تحقيق الهدف وتنظيم الأعمال لبلوغ النتيجة المرجوّة من هذا العمل، والارتقاء بالفرد لأعلى المستويات.
وتمتلك الأمّة الإسلامية على صعيد المحاسبة الشخصية وتنظيم الذات تراثاً كبيراً وثرياً، ويزيد في عظمة ذلك التراث أن ما يتحدث عنه الإسلام على هذا الصعيد لم يكن من أجل تحسين موقع المنافسة على شهرة أو مال أو نفوذ، وإنما من أجل الفوز برضوان الله تعالى؛ حيث إن جوهر الإنضباط الذاتي يكمن في تحرير إرادة الإنسان من استعباد الهوى والرغبة والعادة، وذلك التحرير سيكون منقوص القيمة إلى حدٍّ بعيد إذا لم يكن من أجل وضع إرادتنا في سياق مرادات الخالق الكريم، وهذه نقطة فارقة بين الإنضباط الذاتي لدى المسلم الصالح وبين غيره، فنُبل جهودنا منوط في معظم الأمر بنُبل مقاصدنا وغاياتنا.
ويُعرّف الإنضباط الذاتيّ بأنه: السيطرة على الذات والرغبات والأفعال بإرادة شخصية بهدف التطوير والتحسين الشخصي، والقدرة على الصبر، وعدم ترك النفس للمشاعر السلبية، والقدرة على فعل ما يجب فعله، في الوقت الواجب فعله، سواء رغب في ذلك أو لم يرغب، إلى جانب أنه عن طريق الإنضباط الذاتي يمكن للفرد أن ينتصر على أي نقاط ضعف يمتلكها، والإستمرار في مخططات حياته بطريقة جيدة.
وعبّر الإسلام عن معنى الإنضباط الذاتي للمسلم بمفهوم “الاستقامة”، وجعل لمن استقام مكانة وأجراً عظيماً لقوله -تعالى-:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) “فصلت:30″، فالإيمان والاستقامة بينهما ترابط، كلّ منهما يقوى ويزيد من التحصين الذاتي.
والإنضباط يزيد الإصرار قوّة، والإصرار يزيد الإلتزام قوّة، ومن ثَمَّ فهذه العوامل الثلاثة تجعل الإنسان لا يترك هدفه مهما كانت الظروف، ولا يترك رؤيته مهما كانت التحديات، وسيبقى ملتزماً ومصرّاً عليه ومنضبطاً فيه.
وفي الحديث عن مكان العمل، يصبح الإنضباط الذاتي وسيلة لتطوير بعض الإجراءات والأفكار والعادات التي تساعد الشخص على إكمال المهام، وتجاوز المعالم، والوصول في النهاية إلى أهداف محددة؛ حيث إن الإنسان الذي يتّسم بالتوازن النفسي والتوازن في التفكير هو الذي يكون قادراً على وضع الهدف الذي يثق من قدرته على تحقيقه، ويبدأ على الفور في وضع آلية تنفيذه، في حين أن فقدان الانضباط الذاتي قد يجعل الإنسان دون هدف، وقد يجعله يضع أهدافاً خيالية لا يوجد أي علاقة بينها وبين الواقع.
وتكمن أهمية الانضباط الذاتي في المساعدة على مواجهة كافة التحديات؛ وذلك من خلال مساعدة الفرد على الابتعاد عن التقلبات التي يمكن أن تواجهه في حياته، ويُسهم في وضع حجر الأساس من أجل الحفاظ على المهارات وتحسينها، كما يساعد على تقبّل مسؤوليات اختيار الأفعال بمنتهى الحكمة والقدرة على الاستمرار في أثناء التعرض للفشل.
والإنسان المنضبط ذاتياً يتمتع بالعديد من المزايا، منها:
1- يتمتع بصحة أفضل وسعادةٍ كبيرة على المستوى الشخصي؛ لأنَّ الشخص المنضبط ذاتياً يتمتع بحسٍّ عالٍ بالمسؤولية؛ إذ إنَّه يعرف ما حقوقه، وما واجباته التي عليه القيام بها.
2- تحقيق النجاحات الكبيرة: إنَّ الشخص المنضبط ذاتياً يكون مُتمرسًاً بارعاً في تحديد الأهداف، ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تضمن له النجاح والوصول إلى الأهداف المنشودة خلال فترة زمنيةٍ قياسية.
3- الرضا عن الحياة: يكون الشخص الذي يتمتع بالانضباط الذاتي راضياً عن حياته، وتنخفض لديه نسبة الإصابة بالاكتئاب أو غير ذلك من الأمراض النفسية.
4- الالتزام بالعلاقات: إذ إنَّه يتمتع بعلاقات متينة مع محيطه.
5- التمتع بمهارات التواصل: الشخص المنضبط ذاتياً يمتلك مهارات جيدة جداً في التواصل مع الآخرين.
وأخيراً نقول: إن جميع النجاحات تبدأ بالانضباط الذاتي والانضباط الذاتي يبدأ بإتقان أفكارك.
المراجع :
1- إدبلاد، باتريك (2020) مخطط الانضباط الذاتي- قنديل للطباعة والنشر.
2- بكار، عبد الكريم،(2018) الانضباط الذاتي طريق العظمة.
3- الرشيدي، بشير صالح (2017) قيادة الذات – شركة إنجاز للنشر والتوزيع.
4- تريسي، براين (2014) قوة الانضباط، سبع طرق يمكنها أن تغير مجرى حياتك – مكتبة جرير.