احذروا الطلاق! ج(1)
عبد الله بن حمد الغافري
Alssedq@hotmail.com.
الحمد لله الذي أحل الحلال وجمّله، وكره الحرام وفشّله، والصلاة والسلام على سيد الأنام وعلى آله وصحبه الكرام.. وبعد،
فنما إلى مسامعنا تعدد حالات الطلاق وتكاثرها بصورة غير عادية!
ومع إيماننا بأن الطلاق من سنن الله تعالى في عباده إلا أن الشيء إذا زاد عن حده وتجاوز مداه انقلب إلى ضده، ومع أن الطلاق مما أحله الله تعالى لفسخ العلاقة الزوجية الشرعية؛ فإنَّ الأصل في الزواج هو بناء البيوت، وإنشاء الأسرة الكريمة، وإمداد المجتمع بنسل جديد حفاظًا على العنصر البشري؛ كي تستمر عمارة الأرض تحقيقاً للعبودية لله سبحانه وتعالى.
والطلاق لا يكون إلا في أضيق الحدود، وبتدرج ودون مغالاة ودون تجريح أو تقريع لأي طرف من الزوجين، مع مراعاة حقوق كل منهما. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: { ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِیحُۢ بِإِحۡسَـٰن }.[سُورَةُ البَقَرَةِ: من الآية ٢٢٩]
فالآية تنص على إبقاء المرأة بالمحبة والمودة والنفع، أي بالمعروف أو التسريح بإحسان، أي تطليق دون مضارة، كما كانت تفعل رجال الجاهلية من ترك المرأة معلقة لا طلاق ولا زواج..!!
ويقول سبحانه: { وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِیضَة فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّاۤ أَن یَعۡفُونَ أَوۡ یَعۡفُوَا۟ ٱلَّذِی بِیَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوۤا۟ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلۡفَضۡلَ بَیۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ }.[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٣٧]. فالخالق سبحانه وتعالى يوصي بألّا ينسى الزوجان الفضلَ بينهم – أي بين الزوجين – وهو ما كان بينهما من ود وتعاون ورحمة، ولا تنسوا الجوانب المشرقة التي كانت في حياتكما، ولكن أن يصبح الطلاق من الظواهر المجتمعية مع ما يصاحبه من تنازع ومحاكم وخصام؛ فهذا مؤشر خطير يدل على وجود خلل في بناء العلاقة المقدسة بين الزوجين اللذينِ يكمل كلٌ منهما الآخر! فكيف يحيا الإنسان بنصف جسده، وجسده الآخر قد فارقه؟!
إنها معادلة عجيبة مناقضة للفطرة السليمة، قال سبحانه: { أُحِلَّ لَكُمۡ لَیۡلَةَ ٱلصِّیَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَاۤىِٕكُمۡۚ هُنَّ لِبَاس لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاس لَّهُنَّۗ.. }.[سُورَةُ البَقَرَةِ: من الآية ١٨٧].
فالوصف الدقيق لواقع الزوج بالنسبة للآخر هو اللباس والستر والعفة، فما أجمله من وصف!
كما قال سبحانه: { وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰت لِّقَوۡم یَتَفَكَّرُونَ }.[سُورَةُ الرُّومِ: ٢١].
فالزواج من أعظم الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى؛ إذ كيف يحيا طرفان عمرًا كاملًا بالتوافق والانسجام ويختلفان بيئةً وتربيةً ونشأةً لولا عناية الله تعالى وحكمته وإعجازه، لكن في المقابل كيف تُبنى الأسر؟
إنها تبنى كما نبينها -من وجهة نظرنا على وجه الخصوص- بالآتي:
1- بالاختيار الدقيق لشريك الحياة.
2-(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ). رواه أبو هريرة في صحيح مسلم.
3- الأخلاق سيد الهبات وأوله بر الوالدين.
4- التواضع والقناعة، فمن وجد كذلك فعض عليه بالنواجذ.
5- صدق النية في الطلب للطرف الآخر مع الشفافية والوضوح، وعدم المباهاة أو المغالاة في طلب المهور وغيرها.
6- (ثلاثةٌ حقٌّ على اللَّهِ عونُهُم: المُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ، والمُكاتِبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكحُ الَّذي يريدُ العفافَ) رواه أبو هريرة في سنن الترمذي.
وينبغي على الأهالي عدم المغالاة في بهرجة الدنيا وقاعات الأفراح والطلبات؛ حتى لا يتعسر حال الزوجين.
كما ينبغي تثقيف البنت بأمور الزوجية، وأنها ستصبح ربة منزل، وأنها مسؤولة عن بيت زوجها وعن ولده، وأن تحفظه في نفسها وماله، وأنها العمود الثاني للبيت، وأن الله تعالى يتولاها ويكتب لها عظيم الأجر في حسن تبعلها لزوجها؛ فهي أعلى درجة وأعظم أجرًا من المجاهد في سبيل الله تعالى!
كذلك ينبغي تعويد الشاب على المسؤولية والاعتماد على الذات، وأنه مؤتمن على بيته وزوجه وأهله، وأن القوامة بيده؛ لرجاحة عقله ولما يبذله من جهد وسعي لإسعاد أسرته، لا لذكورته أو وجاهته.
إذاً، ما أسباب الطلاق؟
لا شك أن الحياة الزوجية تعتريها الكثير من المصاعب، وتكتنفها العديد من العقبات، وتتأثر هذه الحياة بظروف المعيشة وتقلباتها من غنىً وفقرٍ وصحةٍ ومرضٍ وإنجابٍ أو عدمِه، ومؤثرات كثيرة اجتماعية، واقتصادية، ونفسية، ومرحلية! قد يؤدي ذلك كله للطلاق، ومن أهم أسبابه ما يلي:
أولا: الغضب والتسرع غير المحمود في اتخاذ القرار.
ثانيًا: التساهل في موضوع الطلاق وربطه بالرجولة أو بالعزة الجوفاء، فلا رجولة ولا عزة في هدم الأسرة.
ثالثا: عدم تقدير العواقب، وما ينتج عنه من تشتت الأبناء وتمزق الأسرة، وحصول العقد النفسية.
رابعًا: المرأة تنسى أنها هي التي ستكون الخاسر الأكبر من الطلاق، ففي الغالب لا يتقدم لها أحد للزواج؛ فتخسر شبابها وحياتها الزوجية.
خامسًا: الجهل بمراحل الطلاق الواردة في كتاب الله تعالى، والتهاون في تطبيق الهدي النبوي في مراحل الطلاق.
سادسًا: التدخل السلبي لبعض الأقارب، خاصة في الأمور الشخصية للزوجين، كتأثير الأم أو الأب والإخوة والأخوات، خاصة إن كان أحد الزوجين أو كليهما ضعيفا الشخصية، فكل تدخل يعني اتساع رقعة الخلاف، وتضاعف المشكلة، وتعدد المؤثرات فيها؛ مما يزيد من صعوبة حلها! فالأصل أن يحرص الزوجان على حل ما يحصل بينهما داخليًا دون تدخل من أحد كائن من كان..
وغيرها من الأسباب.
وللحديث بقية، وسنتحدث في الجزء الثاني -إن شاء الله تعالى- عن أنواع الطلاق، وكيفية دفع الله تعالى الزوجين للإبقاء على الرباط المقدس.