استغلال الوظيفة هو جزء من الفساد الإداري
سالم بن سيف الصولي
حديث الأمانة في بيئة العمل أين ما كان ذا أهمية، وجدير بتسليط الضوء عليه. فقد روي في الأثر؛ أَخْبَرَنِي أبو سُفْيَانَ، أنَّ هِرَقْلَ قَالَ له: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ -أي يقصد النبي صلى الله عليه وسلم-، فَزَعَمْتَ: أنَّه أمَرَكُمْ بالصَّلَاةِ، والصِّدْقِ، والعَفَافِ، والوَفَاءِ بالعَهْدِ، وأَدَاءِ الأمَانَةِ، قَالَ: وهذِه صِفَةُ نَبِيٍّ عليه أفضل الصلاة والسلام.
يعد هذا الحديث شاملا وصريحا، ويجمع الأعمال المكلف بها الإنسان، وينطبق على الموظف في القطاعين العام والخاص، كما أن الحديث شامل وكامل لم يستثنِ أحداً، فالكل سواسية أمام الله، ولكون بعض الذين يعدون الوظيفة من الحقوق المكتسبة، ألم يعلم بأن الله يراه منذ أن ذهب من بيته إلى بيئة العمل؟ إنه في دائرة المتابعة والمراقبة من قبل الله سبحانه وتعالى، وأيضًا من قبل الناس؛ لأن هذه الوظيفة تمنحه خدمة من له حاجة أو غرض تقضيه، سواء مواطن أو مقيم على هذه الأرض الطيبة، حتى أن خدمة الوافد أو المقيم تعد تنمية للعجلة الاقتصادية للدولة؛ ولذا كلنا يجب أن يكون على علم بهذا، وبأن تقديم الخدمة للمستثمرين هو جزء لا يتجزأ من خدمة الوطن، ومنها تخفيف القيود والروتين المتبع، فقد شرّع عدم السماح للوافد بدخول المؤسسات الخدمية، إلا أنه يحق له التوقيع على عقود الإيجارات، وعلى المأذونيات بالنسبة للعمالة الوافدة، فهنا تناقض بين عدم دخوله للمؤسسات الحكومية والتخويل الذي منحه تلك التوقيعات!.
كما يجب على كل موظف أن يؤدي هذه الخدمة بكل صدق وأمانة وإخلاص، وكما أن الوظيفة ليست تشريفا بل هي من الأمانات المحسوبة، وتعد من ضمن الأعمال التي ذكرها الله في كتابه العزيز في قوله تعالى:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}. الكهف (49).
إن ما يقوم به الموظف كل صباح هو واجب وطني، وما يقدمه من خدمة في حد ذاتها قليلة مقابل خدمة الوطن والمواطن والإنسان بشكل عام، وهناك من تجدهم يتسلطون ويعاملون الناس بلا ضمير ولا أمانة، كما نجد بعضهم الآخر عندما يقدم الخدمة كأنما يعمل فوق الواجب أو فوق الطاقة المتاحة له، ألم يعلم بأن الواجب الوطني يحتم عليه أن يؤدي هذه الخدمة بكل إخلاص وهو في أتم الاستعداد؟
فالمسمى الوظيفي أو تلك الوظيفة لم تخلق له وحده، أو قد نالها من ميراث، فقبل ذلك تجده يلهث ويبحث عن الوظيفة بشتى الطرق، ولمّا أكرمه الله بها أصبح بعضهم يتسلط على خلق الله، وكأنه هو الوحيد على هذا الكرسي؛ فيا للعجب!
ومن الملاحظ في بعض المؤسسات الحكومية أيضًا عندما توجد بعض الوظائف للتنافس عليها، فكأنها كُيّفتْ على شخص معين، وهذا في حد ذاتة ظلم وإجحاف في حق قدماء الموظفين وأصحاب المؤهلات العلمية الأخرى، فينبغي مراعات الأقديمة من الموظفين في خلق التنافس لمثل هذه الشواغر، وعدم استخدام المحسوبية التي دمرت حب العمل بين الزملاء في بيئة العمل، وأوجدت تنافرا فيما بينهم، كما ينبغي تشكيل لجان محايدة للمقابلات من وزارة العمل وجهات قانونية، ولا يحق للجهة المعنية التدخل في عملية الاختيار.
حفظ الله عُمان وسلطانها المعظم، وسدد الله على الخير خطاه، وأطال الله في عمره، وحفظ الشعب العُماني الأبي من كل سوء ومكروه.