2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

مشاهير بلا محتوى

عبدالله بن حمدان الفارسي

 

ماذا تبقى لنا من أسلافنا؟ لا شجاعة، ولا كرامة، ولا شهامة، ولا مناقب! كما قال بعضنا، إنا في عصر لا نحتاج فيه إلى كل ما ذكرت؛ لأن هذه الصفات في عصرنا الحالي باتت أمورًا مبتذلة، لا تأتِي إلا بمخلفات العصر الحجري ومثالب العصور الوسطى، استقامة المرء في سلوكياته وممارساته صحية المظهر والجوهر، ينظر لها على أنها بخسة الثمن لا قيمة لها، ومن تمسك ولو بأطرافها أو بما بقي منها هو من ذي العقول متكهفة الانتماء، وضريرة النظر، وإذا ما رغبت أن تكون ممن يشار لهم بالبنان، ويبجل اسمك ويردد على كل لسان، ما عليك إلا بمخالفة الفطرة الإنسانية السليمة وعفويتها، والابتعاد عن القيم الحميدة ومكارم الأخلاق، في هذه الأيام إن لم تجيد الرقص والتمايل مع نسائم العصر، فأنت حتمًا رجعي ومتخلف، ودون مستوى التقدم، وإن لم ترخِ عظمك، وتجعل منه عودًا كالخيزران فلن تنجو من الرجم اللفظي، والنعت بأسوأ الألقاب حتى يأتيك اليقين، نعم هكذا هي سيرورة حياتنا ونمطها الآني، من يصْدقُ في قوله من أجل تقويم اعوجاج في تصرف ما أو تعديل مسلك ما أو دفاعًا عن حق مهمل أو مهضوم يوصف بالجنون وبقصر القامة الفكرية، أصبحت الاستقامة أمرًا ممقوتًا غير مرحب بها بين أوساط المجتمع المتمايل، والصدق صفة إذا ما تمت المجاهرة بها ستكون خنجرًا في خصر من تبجح وتغنى بها، إن لم تواكب اعوجاج المسيرة التي يراها البعض استقامة، وأيما استقامة ينادى بها، حتمًا فإنك ستكون خارج نطاق السرب تغرد وتبكي وحيدًا، مشاهيرنا أو من يطلق عليهم بالمشاهير، هم ليسوا كذلك بأخلاقهم، وعمق ثقافتهم، وحسن سلوكياتهم، ولا بقوة الحجة السليمة التي يكتسون رداءها، ولا بعبق الروائح الزكية التي تتعطر بها أفكارهم، ولا بإجادة المحتوى الذي يتكوّن في معاملهم، هم أجساد هلامية المظهر، فارغة الجوهر، مارست نموها الشفاف خارج هامش الحياة المنطقية، ومن ثم تسربت لخارج ذلك الهامش حين وجدت من سهل لها التسرب بتوسعة الثقب، لتعيث بعد ذلك كيفما رغبت وشاءت في الساحة الاجتماعية لتفسد الصالح والسليم من خلال ما تتمخض به تصرفاتها، ومن المؤسف والمؤلم في الوقت ذاته، أنها وجدت بيئة مهيأة لها من قبل ممن هم دون اكتمال التفقه الديني والأخلاقي والانضباط العقلي، ليكونوا لهم نواة تكاثر وانتشار في المجتمع، مكوّنات متفردة ولكنها لا تحمل من صفات التفرد شيئا إيجابيًا ومميزا، سواء تلويث الخلايا العقلية وإبراز الغوغائية والفوضى العشوائية وتضخم جذور الدمار للبنى التحتية للفطرة الإنسانية، وتقتيم الرؤية وتضليل الفكر لإفساح المجال لأهداف هي بحد ذاتها تعد مقاصل لكل ما هو سليم ونموذجي، مواجهة علنية لا هوادة فيها من أجل إثبات الوجود؛ من أجل تمكين باطل وغرسه في حقول الحق والاستقامة، المعضلة ليست فيمن ينتهكون قداسة الوضع السوي بأفعالهم وأقوالهم، فتلك ظاهرة قابلة للاندثار متى ما وجدت المنجل الذي يقتلعها من الجذور، والمبضع الذي يستأصل منبت الداء، ولكن ماذا نقول لمن هم رعاة وداعمين رسميين لتلك الفئة؟! عن أنس بن مالك رضي الله عنه بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) [الألباني]

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights