القرارات وغرف صناعتها
عبدالله بن حمدان الفارسي
إن تشريع القوانين وإصدارها يجب ألا يكون بين عشية وضحاها، وأيضًا لا يتأتي من خلال ما يتمخض عن أضغاث أحلام في ليلة قارس بردها، قال تعالى: ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍۢ” [ق: ٣٨]. إن ما جاء في سياق هذه الآية فيه إيحاءٌ لنا بأن الأمور والقرارات، وكافة المكونات باختلافها وتنوعها لا يجب أن نتسرع في تكوينها أو إصدارها، إلا بعد أن تأخذ الوقت الكافي، والتجارب العديدة والمتعددة، والدراسات الشاملة، وعرضها على ذوي الشأن والاختصاص، والمكانة المتمكنة ذات العلاقة، ونحن أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام على يقين وثبات، لا يشوبه أدنى ريب في قدرة الله على أن يقول للشيء (كن فيكون)، حيث قال : “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” [البقرة ١١٧]، وسور عديدة في القرآن الكريم شملت هذا المعنى – كن فيكون- لا يتسع المجال لذكر تلك الآيات، فتلك مرجعية مفادها مع القدرة المطلقة ولكن في التأني سلامة ونجاح.
ومن هذا الباب نجد أنفسنا أمام الكثير من الناس، ومن مختلف التوجهات والتيارات ومكونات المجتمع، وباختلاف الأعمال المنوطة لها، تعمل على منهجية سن القوانين والأنظمة وتشريعها دون الإلمام بالخلفيات والتبعيات التي سوف تكون نتاج لتلك التشريعات المتسارعة والمتسرعة، وعدم منح المجال للذات لتقصي متطلبات الناس وتطلعاتهم، وما يستجد على الساحة الاجتماعية والعلمية والمهنية وباقي المجالات. إن العمل التنظيمي لاسيما فيما يتعلق بحياة الناس وشؤونهم يحتاج لدراسات مستفيضة لكافة الجوانب وتأنٍ تام مِمَّن أوكلت له مهمة التنظير والتشريع، قبل أن تجد سننه وتشريعاته طريقها للنور، كما أن من الضروريات الواجبة إخضاع مقترحاته ورؤاه للمختصين والمتمرسين في ذات المجال قيد البحث والدراسة، ولا يمنع من طرح تلك الرؤى على الرأي العام أو على الفئة التي يشملها القانون بإجراء استبيان؛ للوقوف على مدى التوافق من عدمه، عملًا بمبدأ المشاركة في الرأي، وتطبيقًا لقوله تعالى :”وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ” [الشورى من الآية ٣٨]، وقوله تعالى: “وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّه” [آل عمران من الآية ١٥٩]، وبناء على ما جاء في سياق الآيات المذكورة أعلاه يتبين لنا أن من أهم خطوات اتخاذ القرار واعتماده وإصداره هو التأني وأخذ الوقت الكافي، وطرح الأمر على طاولة التحاور والتشاور، كل ذلك من أجل استنباط ما هو ملائم ومناسب للصالح العام، وحصد نتائج ذات عائد ونفع على المدى البعيد، وبمثل هذه الأفعال والسلوكيات الحضارية التي هي من صميم واقعنا الإسلامي حتما، ستجد الصدى والترحيب الإيجابي من شرائح المجتمع والجهات المعنية كافة، وإن وجدت بعدها هفوات في ذلك التشريع، وهذا أمر حتمي ومتوقع طالما أنه من صنع البشر، والمصنف من القوانين الوضعية؛ لأن الكمال لله وحده، حينها ستكون مسئولية الفشل واقعة على عاتق الجميع دون طرف، ولن يكون هناك لوم مباشر على فئة دون غيرها، سيكون النجاح مشترك والفشل كذلك، ولن تكون هناك حدة غضب عارمة تصب في مجرى واحد.
هكذا تكون صبغة القرارات ذات الطابع المشترك الصمود والبقاء، أما الانفراد بها من أجل كسب الشهرة ومن أجل أن يقال: عمل واجتهد وقرر ثم أصدر، فهذا تفرد ليس في مصلحة أحد، ولا يكون غالبا مقرونا بالنجاح الدائم، وربما تصطدم بأحدهم فيقول لك هذا القرار عُرض على المختصين أو الاستشاريين، تلك فئة من المقربين مهنيا منك، (بعضهم)، ولا ينطبق على الكل، وليس بإمكانه الاعتراض أو الاختلاف معك، فقد يفقده ذلك مكانته الوظيفية أو أشـياء أخرى، وإن كان لا بد من ذلك التشاور، فيجب منح المساحة الكافية من الثقة والاستماع لتلك الفئة لإبداء الرأي السديد، وعدم تبطين العقوبة له في حالة الاختلاف في وجهات النظر.
مع التنبه بأن ما تم ذكره من نقاط في هذا الجانب من أمور النقاش لا يشمل الأمور والقرارات المتعلقة بالشأن الأمني للوطن، فتلك غير قابلة للطرح والنقاش العام، كذلك المواطن العادي لا يمكنه استيعابها، وهي ليست من اختصاصه، فهناك مواقف ليست عرضة للنقاش والتداول، كما هو الحال مع الأمور الحياتية الاعتيادية التي تلامس الواقع اليومي المعتاد.