معزوفة المطر
فوزية الجهورية
في هذه الليلة الماطرة استحضرتني أنشودة بدر شاكر السياب: (مطرْ…مطرْ…مطرْ…تثاءب المساء، والغيومُ ما تزالْ تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثِقالْ..)
للمطر سحرٌ خاص في ذاكرتي، برائحته وقطراته ونفسيته: ما أن يهدأ روعُ النفسِ بعد قصفِ الرعود المدويّة وسنا البروق اللامعة، حتى يكون صوته العذب إنعاشًا يسلبُ النومَ عن المآقي والأجفان.. وفي كلِ حينٍ منه تعاودني ذاكرة الطفولة أعوامًا مضت، حين كان هديرُ جريان مزاريب السطوح وشلالات المثاعيب مشهدًا ترتعش له القلوبُ قبل العيونِ .. وصوتُ سقوطِ قطرات المطرِ على أسطح مكيفات النوافذ كالطبلِ يطرقُ معزوفةً تلذُّ لها آذنٌ وتعافها أخرى!!
وتلك (غبيب) الماء كالمرايات في السكك والطرقات مشهدٌ آخر يغبطُ الكبارُ أطفالَ الحيّ وهم فيها يمرحون:( مَطَرْ..مَطَرْ..مَطَر
بِالنِّعْمَةِ انْهَمَر،،
بِالعُشْبِ وَالثَّمَر،،
تَهَلَّلي يا أَرْضُنا السَّمْراءْ
واسْتَقْبلي هّدِيَّةَ السَّماءْ..)
للمطرِ سحرٌ في مفردات لفظه، ومنها تهاني يتبادلها أهله:( عساها نعمة سادة وبادة)، وفي طقوسه وأوقاته الصيفيّة كانت أو الشتويّة مع مأكولاته ومشروباته الممزوجة بدفء الزنجبيل وقروص الثوم والعسل.
استحضرتني الذكرى وأبواب السماء مفتوحة للدعاء: ربي سقيا رحمة لمن رحلوا عن حاضرنا و دنيانا ومازالوا لذكرياتنا وقلوبنا سكانا.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً طبقاً غدقاً نافعاً غير ضار تُدِر به الضرع وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض بعد موتها.. اللهم إنا نستغفرك استغفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً.