شبابنا والعزلة الاجتماعية
خلفان بن ناصر الرواحي
إن الإنسان بطبعة كائن اجتماعي يحب الاندماج والتفاعل مع الآخرين، والمشاركة مع جنسه؛ لخلق علاقات اجتماعية تعزز قيمته ومكانته في المجتمع، ويسعى دائمًا لفتح علاقات اجتماعية مختلفة للتواصل مع الآخرين بشتى السبل.
نعم، قد تختلف الأغراض من تلك العلاقة بين شخص وآخر، لكنها تتفق جميعها لكسر قاعدة العزلة الاجتماعية، فقد انتشرت هذه المشكلة عند شريحة كبيرة من أبنائنا الشباب في مجتمعنا العُماني، والملاحظ أن الغالبية منهم غير محسوس الوجود والمعرفة في أوساط بيئة الحي أو البلدة التي يعيش فيها إلا من قلة ممن هم على شاكلته أو يجمع بينهم العمل أو الدراسة أو ما شابه ذلك، أما وجودهم في الوسط الاجتماعي فيكاد يكون معدومًا أو نادر الحدوث.
نتفق جميعًا بأنّ نمط الحياة المعاصرة قد تغيّر عن سابقه من الحياة السالفة التي عشناها أو عاشها آباؤنا وأجدادنا منذ عشرات السنين، ولكن يبقى الاتفاق الضمني حاضرًا لضرورة بناء تلك العلاقة في المجتمع؛ لكونها تترتب عليها عدة أمور لها علاقة ببناء الحياة الأسرية والاجتماعية، وبناء الشخصية وإثبات الذات والدور الفاعل لخدمة المجتمع، ونهضة الوطن.
ربما في بعض الأحيان تُكسر هذه القاعدة نتيجة إصابة الشخص ببعض الأمراض التي تمنعه من تلك المشاركة، ولكنها قليلة جدًا، إلا أن العزلة الاجتماعية تعدُّ بمثابة المرض المستعصي لفقد القيمة المكانية، فإذا ابتلي بها أي فرد في المجتمع؛ تجده يبدأ في الانعزال تدريجياً عن محيطه الاجتماعي حتى يفقد الرغبة في الوجود بأي تجمع أو التواصل مع من حوله بأي وسيلة كانت، وقد يشمل ذلك محيط الأسرة، وقد يصل الأمر إلى عزلة غير اختيارية؛ حيث يُصبح مُجبراً على الوجود بمفرده رغم إرادته.
وتشير بعض الدراسات إلى أن عُلماء الاجتماع قسّموا العزلة الاجتماعية إلى نوعين رئيسين، هما: عزلة دائمة، وعزلة اختيارية. فالعزلة الدائمة تلك التي تكون ناشئة بالفطرة منذ الطفولة، وقد تستمر معه كلما تقدم به العمر، ويكون حينها مجبرًا على العزلة والبقاء وحيدًا، فمهما حاول جاهدًا الاندماج فمن الصعوبة بمكان أن يحقق ذلك الاندماج مع المجتمع ومن حوله أيضًا. أما العزلة الاختيارية؛ فتنشأ بسبب تعرض الفرد لصدمة أو موقف معين كان أثره سلبيًا فيه، وكردة فعل يختار البقاء بمفرده لبعض الوقت، وربما تزداد المدة بحسب تأثره ومدى مشاعر الإحباط والألم الذي أصابه؛ مما يؤدي إلى بعده تمامًا عن كل أقربائه ومعارفه وقطع علاقاته الشخصية مع الآخرين.
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار العزلة الاجتماعية بين أوساط الشباب في العصر الحديث وفي مجتمعنا المحلي، انتشار التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وبشكل مُبالغ فيه، وعدم وجود التجمعات الأسرية والعائلية، والمجالس العامة في المجتمع التي أصبحت نادرة جدًا إلا من قلة، كما أن بعض المشاكل الأسرية لها الدور أيضًا في وجود هذه العزلة، ربما نتيجة الخلافات بين الأبوين، وانعدام التواصل والثقة داخل الأسرة؛ فمواقع التواصل الاجتماعي الحديثة بمختلف أنواعها وتقنياتها أصبحت الملاذ، وأدت فعلياً لانقطاع التواصل على أرض الواقع، وبات أغلب الشباب يعيشون في عالمهم الافتراضي الذي خلقوه لأنفسهم. كما أن قلة الاندماج والمشاركة مع المجتمع في المناسبات والأعمال وعدم الاشتراك في كثير من المناشط الاجتماعية، لها الأثر البالغ وبشكل كبير في حالتهم النفسية وتزيد من خجلهم وتُضعف ثقتهم بأنفسهم؛ لذلك ينسحبون من أي موقف يتطلب التواصل مع الآخرين، ويُفضلون البقاء بمفردهم وعدم الاندماج.
لهذا ترتبت على هذه العزلة بعض المشاكل الاجتماعية الأخرى التي قد تصيب بعض الأشخاص بالإحباط وانعدام الثقة، ونذكر منها على سبيل المثال حالات الزواج، فقد ترغب أسرة معينة للبحث عن امرأة صالحة لابنها المنعزل عن المجتمع، فعند السؤال عنه من الطرف الآخر أو كليهما يتعذر وجود الجواب المقنع عن معرفة أخلاقيات أحد الطرفين أو كليهما من المجتمع الذي يعيش فيه، فتنعدم الثقة بين الأطراف؛ لصعوبة وجود جواب شافٍ عن الأخلاقيات والسلوك، وقد يستمر البحث طويلًا، وقد يؤدي إلى حدوث الإحباط وربما التأخر في الزواج وانتشار العنوسة. وربما يتم التعاطف وظهور الغش الأخلاقي من أحد الطرفين أو كليهما، ويتم الزواج ويُتفاجأ بعدم صحة المعلومات؛ مما يؤدي إلى زيادة حالات الطلاق في كثير من الأحيان.
فمن هنا ندعو شباب وطننا وشباب الأمة كافة إلى الانتباه لأنفسهم، وكذلك الحال بالنسبة لأولياء الأمور، عليهم زرع مبدأ المشاركة والاندماج مع المجتمع لدى أبنائهم، ونتمنى من الجهات المعنية في الدولة أن تقوم بتفعيل دور الأندية الرياضية والثقافية بأداء دورها في المجتمع والاهتمام بجيل الشباب بما يحقق بناء الشخصية؛ من أجل بناء الأسرة وترابط المجتمع والنهوض بالوطن.