تعمى الأبصار ولا يعمى الإبداع
بدرية بنت حمد السيابية
أدرك أن عبارتي ليست في المستوى المطلوب حتى أهديها لمكفوف ولكن وددت كثيرا أن أكتبها وأتقاسمها معكم.
دعتني إحدى الزميلات لحضور أمسية وعندما سألتها أين هذه الأمسية؟ ومن سينفذها؟ فقالت لي :هذه الأمسية ستكون في جمعية النور للمكفوفين! فكرت قليلا وقلت في نفسي :مكفوفين! كانت علامات الاستغراب قد ظهرت على ملامح وجهي، فرددت عليها :حسنا سأحضر هذه الأمسية لعلي أجد أجوبة لبعض الأسئلة التي تحوم في مخيلتي.
ها قد أتى موعد ذهابنا إلى ذلك المكان المنتظر، في الحقيقة أول ما وصلت للمكان كان السؤال العالق في ذهني، كيف هم مكفوفون وينظمون هذه الفعاليات والأنشطة!؟ فنظرت على اللوحة المعلقة فوق المبنى “جمعية النور للمكفوفين” ما أجمل كلمة النور بجانب كلمة (مكفوفين) هنا تشعر بتناغم بين الكلمتين نور وكفيف، شيء من الأمل والتفاؤل والعزيمة _عموما _دخلنا أنا وزميلاتي إلى المبنى، فكانت إحدى الزميلات وهي إعلامية قد استضافت أحد الأعضاء المتواجدين في هذه الجمعية في لقاء جميل وهو من قدم لها هذه الدعوة لحضور الأمسية.
هذا الشاب يدعى عمران، فقد رحب بنا أجمل ترحيب وكنت أنظر إليه بدهشة وهو يتحدث بأسلوب ثقافي جميل فاقتربت منه وعرَّفته بنفسي وكان سعيدا بوجودنا في الجمعية وأثناء تجوالنا في الجمعية أخذ يُعرِّف لنا عن ما تحتوي الجمعية من أقسام متواجدة في المبنى منها: قاعة التدريب ،والمكتبة، وقسم للرياضة وأيضا يوجد استوديو خاص بالمكفوفين، حينها سألته بشكل عام عن الجمعية قال :تأسست الجمعية عام 1997م بقرار وزاري من التنمية الاجتماعية ويوجد 3 أفرع في صحار ونزوى وصلالة، وخدماتها: الاهتمام بمكفوفي الإعاقة البصرية والهدف الأساسي هو تمكين ذوو الإعاقة البصرية وإبرازهم في المجتمع وتمكينهم في عدة مجالات منها المهنية والاجتماعية والعملية.
فواصل حديثه حيث ذكر عن مساهمات الجمعية من حيث إيجاد فرص عمل لذوي الإعاقة البصرية في القطاعين العام والخاص وصقل مواهب المنتمين للجمعية، كما أن هناك مواهب يمتلكها هؤلاء المكفوفين منها: الإنشاد، والمسرح والموسيقى، والرياضة، وإقامة مناشط ثقافية توعوية على مدار العام من أمسيات ورحلات ، وإقامة ملتقى عربي يضم عدد من الدول العربية، والملتقى الخليجي ويتخلل في هذه الملتقيات ندوات وورش عمل، وتمتلك جمعية النور للمكفوفين عضوية في الاتحاد العربي والاتحاد الآسيوي والعالمي للمكفوفين.
كما تقام مناشط رياضية خاصة مثل: كرة الهدف ،والتنس ،ولعبة الدومينو وهي الأشهر بين المكفوفين، وإقامة دورات الحاسب الآلي وهي الأجهزة التعويضية للمكفوفين، وأيضا استضافة كتّاب ونجوم، ومناقشات ورق عمل وندوات اجتماعية تبرز وجود الكفيف بيننا، وكذلك العمل على إمكانية تسهيل أمور المكفوفين في مؤسسات التعليم العالي، بعد هذا الحديث الجميل مع عمران ذهبنا لحضور الأمسية الرائعة التي استضافت الفنان والكاتب والمخرج العماني محمود بن عبيد الحسنى، أدار الحوار الدكتور رائد الفارسي وهو رئيس جمعية النور للمكفوفين وهو أحد المكفوفين الطموحين، كان حوارا شيقا مع الفنان محمود الحسنى فكانت الأسئلة تتجول بين الماضي والحاضر مع ذكر بعض الذكريات الجميلة والمواقف للفنان وتحدث عن بعض الكتّاب المتميزين التي ظهرت في الساحة الفنية.
والفنان محمود من الأشخاص الذين تحدوا بأن للمكفوفين مكانة في المجتمع وأن يظهروا، فهم مبدعون ومثقفون حالهم كحال الإنسان العادي، فهناك من يكتب السيناريو وهناك من يمثل على المسرح ومشاركتهم داخل وخارج السلطنة أثبتت ذلك التحدي الأكبر وتخطي الصعاب والوصول لتحقيق أحلامهم وطموحهم.
الكفيف هو إنسان مبدع، المكفوفون ذوي قدرات عالية واستقلالية في الشخصية فعلينا احترامهم، ومساندتهم.
الكفيف يحتاج لإيمان منك بأنه قادر، أمّا الشفقة فلا يحتاجها؛ لأنه مؤمن بذاته، ومؤمن كذلك بقناعة تامّة أن فقدان أي شيء لا يعني عدم القدرة على مواصلة الحياة.
من هنا أقدم تحية طيبة لكل كفيف، فعلا أنت إنسان رائع كم من إنسان يرى بعينيه ولكن بصيرته لا تجيد مشاهدة الحياة بالشكل الصحيح . فإن تكن مؤثراً وناجحاً لا بد أن ترى ببصيرتك قبل أن ترى ببصرك، من فقد بصره يستطيع العيش بسعادة ، لكن من فقد أمله فقد السعادة في الحياة .