موروثنا الثقافي بين لهجتنا المحلية ودلالاتها اللغوية
بدرية بنت حمد السيابية
دار حوار بيني وبين ابنتي الصغيرة، كانت تسألني عن بعض الكلمات، فقالت: أمي، هناك كلمات غريبة أسمعها دائمًا وترددينها أنت وجدي وجدتي، ومن هم أكبر مني سنًا؛ فابتسمت في وجهها، فقلت لها: ما تلك الكلمات؟ قالت: مثلًا “سحارة”، و”البوك”، وغيرها، فما معنى هذه الكلمات الغريبة؟ فقلت لها: أمّا “السحارة” فهي عبارة عن صندوق خشبي كان قديمًا يخزن فيه بعض الاحتياجات الخاصة والمهمة، ونسميها بلهجتنا المحلية “سحارة”، وبعضنا يستخدمها في مزرعته، ويضع فيها أنواع الخضروات والفواكه؛ لبيعها، أما “البوك” فهي المحفظة التي نضع فيها النقود، ونضعها في الجيب، ومنها أيضًا كلمة “الطاسة”، وهي عبارة عن إناء صغير يوضع به ماء، ويعدّ على المائدة؛ لنغسل أيدينا فيه بعد الانتهاء من الطعام. فأخذها الفضول، وظلت تسألني كثيرًا، وكنت أجاوبها حسب ما أعرفه، وإذا لم أستطع الإجابة؛ أذهب لجدها وأسأله، وكنا نجد الجواب بكل سهولة منه.
إذا لديك عزيزي القارئ كلمات محلية جميل أن تشاركنا بها!!.
نجلس مع أبنائنا ونحدثهم عن الماضي الجميل، وعن بعض المفاهيم المحلية القديمة، هذا الجيل أصبح شغلهم الشاغل هو الإلكترونيات، وخاصة “الجوال”، وما يحتوي عليه من برامج، ومن ألعاب فيها مضيعة للوقت وللصحة، فأصبح الجلوس مع الأبناء آخر الاهتمام، وقلة التحدث إليهم وتبادل الحوار معهم بكل أريحية، وسرد الحكايات والمواقف التي تعلمهم معنى الشجاعة والكرم، ولفظ الكلمات الموزونة والأسلوب الطيب؛ فهم بحاجة إلى الاحتواء.
هناك مواقف لا ننكر حدوثها بين أعيننا، مثلًا عند زيارة ضيف إلى المنزل والأب غير موجود في المنزل، وهناك ابنه الأكبر في المنزل، فتجد الابن مرتبكًا ماذا سيفعل؟ ماذا سيقول للضيف؟ فيقوم متصلا بالأب، فيقول الأب لابنه: اذهب، واستقبلهم، وأدخلهم إلى “المجلس” حين وصولي له.
أيعقل أن الابن لا يعرف كيف يستقبل الضيوف، أو يرحب بهم، ويقدم لهم الضيافة من مأكل ومشرب؟ فإذًا لابد من تعليم أبنائنا معنى ضيافة الضيف، فإكرام الضيف واجب ومن مكارم الأخلاق، وجميل الخصال التي تحلَّى بها الأنبياء، وحثَّ عليها المرسلون، واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فمَنْ عُرِفَ بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة، وعُلُوِّ المكانة.
للأسف هناك مفاهيم بعضنا لا يدرك معناها وأهميتها، ويتم باستبدالها وتداولها كلمات أخرى، بحجة التطور السريع من جميع الجوانب. لقد كان أجدادنا يحلو اللقاء بينهم، يجلسون تحت ظل الشجر متفرعة جذورها، أو تحت “السبلة” يجتمعون تحتها، ويتناولون التمور، ويشربون القهوة المحمصة على نار هادئة يتم إعدادها بنكهة عمانية، وحديثهم النافع والمفيد، ولهجتنا الجميلة هي وسام نفتخر به، ويتشاورون فيما بينهم، فالجار مع الجار، والأخ مع الأخ، جميعهم يشكلون لوحة عائلية بقلوبهم الطيبة.
كذلك فإن كلمات أخرى استبدل بها تحت وطأة تغير استعمالها، أو لوجود البديل المناسب في الفصحى، وخاصة بعد ارتفاع المستوى الثقافي والتعليمي، فعلى سبيل المثال قديمًا كان يطلق العمانيون على المكان الذي يخزنون فيه الأشياء اسم (الينز)؛ وذلك لأنهم يكنزون فيه احتياجاتهم فوق بعضها بعضا، إلا أننا نجد أنه في الوقت الحاضر يخزن العماني احتياجاته بشكل مرتب مع وجود أجهزة الحفظ الحديثة، ومن ثَمَّ فإنهم استبدلوا بالكلمة الأخيرة (غرفة الثلاجات)؛ لفقدان الكلمة القديمة دلالتها اللغوية، بينما يستعين بعضنا بالفصحى (لغة التعليم في عمان)، فيطلقون عليه كلمة (المخزن)؛ لهذا نرى من وجهة نظرنا أنه يستحسن أن نجتهد في تعليم هذا الجيل هذه الكلمات من لهجتنا الجميلة والمختلفة؛ حتى لا تندثر هباء، وتذهب في مهب الريح.