2024
Adsense
أخبار محليةقصص وروايات

جرح في خاصرة واقع

 عبدالله بن حمدان الفارسي

وجدت نفسي في يوم تسلّمي شهادة التخرج في الجامعة بتقدير جيد جدًا، أن جدول خططي وأهدافي المستقبلية قد تراءى لي نصب عيني واضح المعالم، كما تم تخطيطي له منذ التحاقي بالجامعة، باستثناء بعض التعديلات التي طرأت لاحقًا، وهذا ما يجب على كل صاحب طموح ومتأمل لمستقبل مشرق، وتطلعات ذات أبعاد وآفاق لا محدودة، وكادت الفرحة من فرط شعوري بها تشطر قلبي؛ لأن حيازتي هذه الشهادة خاصة، وهي من جامعة مرموقة وعريقة كالتي تشرفت بالتخرج فيها؛ قد مكنتني نسبيًا من ملامسة أولى درجات سلم الصعود؛ لتحقيق الغايات والأمنيات التي طالما بذلت وضاعفت الجهود من أجل الوصول إليها، وبما أنني كنت من المميزين والمتفوقين خلال مراحل دراستي المختلفة؛ فمن المؤكد أن هذا التفوق والتفرد به سيكون الرافد الذي يغذي شريان حياتي العملية والعلمية القادمة.

وقد هُيئت لي بعد التخرج السُبُل كافة، وذُللت الصعاب لمن هم على شاكلتي لخوض بحار الحياة وتجاوز عبابها العاتية، ومواجهة التحديات؛ خدمة لوطني، وهذا أمر طبيعي؛ لأن ما قمنا به من تحصيل علمي عالي المستوى الهدف منه استمرارية إفراز عناصر ذات نفع للوطن؛ لذا وليس بعد فترة انتظار طويلة بعد التخرج، فقد تسلّمت مهام وظيفتي في أحد القطاعات الحكومية، والتي تتناسب والتخصص الذي كان لي الدور الأول في اختياره عند التسجيل لالتحاقي بالجامعة، مما أسهم بالدرجة الأولى في تفوقي في دراستي الجامعية، ومن ثم إبداعي في المجال العملي فيما بعد، وبعد تسلّمي أول راتب وفكرة تخصيصه وتوزيعه على ذوي الرحم والأقارب تنم عن وعي وحس أخلاقي من وحي عاطفة الوالدة؛ إيمانًا منها بأن هذا العمل سيكون له الأثر الإيجابي على مسيرة عملي، ولنيل المباركة والدعوات، ولتعزيز المودة وترسيخها، وتوطيد العلاقات بين الأهل، وتطييب النفوس وإرضائها، وقد كان لها ذلك؛ فقد وضعت جل الراتب بين يديها مع تقبيلهما؛ إكرامًا وتبجيلًا لها، مع تشنيف مسامعي بتلك الدعوات المباركة منها، فلا أحد يتصور مدى سعادتي وغبطتي في تلك اللحظة الاستثنائية التي عشتها وتعايشتها مع والدتي. رحم الله والدي الذي لم أحظَ بمباركته وتقبيل جبينه في هذه اللحظة، ثم توالت الأفكار والخطط المشتركة بيني ووالدتي في تحديد مسار حياتي، بدءًا من دخولي جمعيات؛ درءًا وابتعادًا عن البنوك الربوية والقروض، وبما يسمى فوائدها التي تقصم الظهر، وترهق الكاهل، ولا ترحم المتعثر في السداد، وتدريجيًا وبالتخطيط السليم، وعدم الالتفات والانجراف وراء المظاهر الشكلية الخادعة، وعدم التسرع في حيازة كل ما هو مباح حسب المتاح، وبهذه الإستراتيجية المتعففة والمقننة قمت بشراء منزل يتناسب وإمكانياتي المادية، ومن ثم سيارة جديدة دون أن يصاب كاهلي بالإرهاق المادي والتعسير، وكانت الخطوة الأكثر أهمية، والتي ستغير حتمًا مجرى حياتي هي اختياري لشريكة حياتي ورفيقة دربي، فقد كانت إحدى فتيات الحي الذي أسكن فيه، فقد كنت متعلقًا بها، وكان حبي لها بشغف لا حدود له، وبما أنني من شباب الحي المعتدلين، والذي يُشهد له بالاستقامة والالتزام، وملازمة المسجد لتأدية الفروض، والبر بوالدته وبأخلاقي التي تشفع لي عند أهل الحي، وبمجرد تقدمي لخطبتها؛ صدمني رد والدها غير المتوقع والسريع في الوقت ذاته بالموافقة على طلبي دون أدنى تردد، ولسان الحال يقول: لقد تأخرت، وتماشيًا مع تلك الأحداث والمعطيات المتلاحقة في حياتي كنت أتقدم يومًا بعد يوم في مجال عملي، وكنت دائمًا أتلقى كلمات الثناء والإشادة، والشهادات التقديرية من جهة عملي ومن الجهات ذات الاختصاص التي تعقد دورات وبرامج تأهيلية؛ مما أهلني للارتقاء لمناصب قيادية في مقر عملي في فترة وجيزة، إلى جانب نجاح واستقرار في حياتي الخاصة والعامة، وقد رزقت بولد وبنت أسميتهما راشدا وخديجة؛ تيمنًا بوالدي -رحمة الله عليه- ووالدتي -أطال الله في عمرها وبارك فيها.

وفي صباحٍ باكرٍ لأحد الأيام، وأنا أقود مركبتي في طريقي للمطار؛ للذهاب إلى إحدى الدول العربية لحضور اجتماع إقليمي، وخوفًا من عدم اللحاق بموعد إقلاع الطائرة، فقد كنت مسرعًا قليلًا على غير العادة؛ لأنني دائمًا أكون ملتزمًا قدر المستطاع بالقوانين أيا كانت، وحريصًا على التقيد بالتفاصيل حسب الاستطاعة، وإذ كنت على تلك الحالة من العجلة؛ أتفاجأ بدراجة نارية تقطع الطريق المتاح لها؛ فأصطدم بها، ولكن قبل الحادثة بقليل كنت أسمع أصواتًا خافتة، تنبهني لشيء ما يؤرق مسمعي، ويزداد ارتفاعها تدريجيا، ولكن حدث ما حدث في لمحة بصر، حينها شعرت من قوة الاصطدام أني خرجت من الزجاجة الأمامية إلى خارج المركبة طريحًا على الأسفلت، والناس من حولي، وأصوات متداخلة مع بعضها غير مفهومة، مصحوبة بضحكات وقهقة تصدر منهم، وعلى ذلك الضجيج فتحت عيني؛ وإذا بي أصحو من نومي وقد كان حلمًا؛ حيث كنت في رحلة برية مع الأصدقاء، وكنا قد نصبنا معسكر المبيت على تلة رملية قريبة من منحدر رملي، وانفردت ليس ببعيد عنهم من أجل التأمل والتفكير في المستقبل الوظيفي الذي لم أحظَ به حتى الآن رغم حصولي على شهادتي الجامعية من سبع سنين، وقد داهمني النوم حينها، وشددت براحلة أفكاري أجوب بها زوايا أحلامي وفضاء آمالي.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights