عائشة بنت جمعة الفارسية
تحدثني وملء وجهها ممزوج بالغرابة والدهشة.
لم أستطع تحديد أيّهما كانت تميل كفّته؟ فما كان لي سوى الإنصات، الإنصات فقط.
تقول: حين دخلت المكتب؛ لإنهاء معاملة مع رئيس القسم، كان جالساً على اليمين، جلسة تنمّ عن راحة دون الاتكاء على ظهر الكرسي.
جلس مستعداً، وكأنه سيقف وسط حديثه ليشرح شيئاً ما.
متيقظاً كحارس على كنز، أسدًا على قمة جبل يعاين الفريسة، وليس عليه إلا الخطوة الأخيرة .
على كتفه يمتد شريط الحقيبة، تقبع على يمينه تأخذ من مساحة الكرسي، وكأنها جزء منه.
عرّفني عليه، ثم ألقى الدفة لي؛ لأكمل حديثاً كان قد بدأ بينهما للشرح له عن ماهية عمل القسم.
وبين ثنايا الحديث كان يشارك، ويدلي بالأفكار، وبعد الانتهاء رجعت إلى مكتبي، ولسبب ما اضطررت للخروج، وبعد العودة وجدته على مكتب بين لوحتَي مفاتيح إحداهما عادية، والأخرى صغيرة سوداء تختلف في توزيع مفاتيحها وحجمها.
فسألته بكل عفوية: ما هذا الجهاز يا شاكر؟ فرد باسماً: سأخبرك لاحقاً.
حينها انتبهت أن تركيز عينيه لا يتغير، وأن عينيه ليستا ناعستين، كما بررت عندما كنت أحدثه مسبقاً،
فرجعت خطوة وأردفت، بريل؟
قال: نعم، كيف عرفتِ؟
ما جرى بعدها ليس مهماً،
المهم أنه ناشط اجتماعي، العزيمة والهمة في موطئ قدمه، ورأسه المرفوع، وذاكرته اليقظة.
ثقته في الحديث، جدوله المزدحم، ناهيك عن البصيرة التي يرتكز عليها.
لم أشعر لوهله أنه مختلف يتعامل مع الأجهزة بكل أريحية.
أودعتها جميع أحاسيسي أتخيل ما تصفه عن شاكر، مثله الكثير مِمّن اختبرهم الله في فقد البصر.
لم يكن ذلك لهم يوماً ذريعة ليكونوا مستهلكين، وعالة على من حولهم.
يحتاجون فقط إلى يد، تماماً كما مدّت يديها سوزان بريسو زوجة عميد الأدب العربي طه حسين الذي كان يقول عنها:” بدونك أشعر أني أعمى حقاً “.
طه حسين الأديب الذي لم يتكرر بين المبصرين حتى الآن.
حين انتهت، عرفت الشعور الذي كان يزاحم حديثها، فسردت لها بيت إيليا أبي ماضي:
ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر
إني أرى من ذوي الأبصار عميانا