من متحف الحياة
الزهراء بنت عزان الخروصية
أشعر باختناق شديد وظلمة حالكة تحكم الإطباق على حواسي, بينما صمت فظيع يكفن كل خلية تكونني حتى تكاد الهلاوس أن تسيطر علي فتتجسد بأشكالها واقعًا أمامي…يستمر الصمت ويطول, بينما تشتد الظلمة ويزيد الإحساس الخانق الذي يغمرني, أفكر في الوقوف ولكن خوفًا مجهولًا يجمدني.
أخيرًا وبعد مدة طويلة في جحيم الظلمة استطاع بصري رؤية أول بصيص للنور لتنتعش روحي ابتهاجًا…أقف بحذر شديد وأمشي خطوات أكثر حذرًا وبطئًا كما لو أنني طفل صغير يخطو أولى خطواته, أبتسم بلطف بينما يجول هذا الخاطر في ذهني ، ثم تتسع ابتسامتي عندما أصل إلى حيث يتركز الضور فينير لوحة جميلة تحمل فتاة صغيرة سعيدة بوالديها وأخوتها من حولها…أتأمل تلك اللوحة التي تأسرني تمامًا بينما أفكر حول متى التقطت لي هذه الصورة وأنا لا أتجاوز الرابعة من العمر؟ أو هل هذه الصورة موجودة حقا أم أن هذه جزء من هلاوسي هنا؟! …أتأمل تفاصيل تلك اللوحة الدقيقة لتتحرك أناملي تلقائيًا وتعانق تلك التفاصيل التي لا أستطيع لمسها, لكنني أشعر بسعادة بالغة تتسرب منها إلي لتملأني سعادة.
ألاحظ أخيرًا وجود لوحات أخرى على هذا الجدار الذي لا أكاد أتبينه, أقترب من أقربها إلي بحيوية بالغة ما تلبث أن تتلاشى لتحل الصدمة محلها…تلك الطفلة الصغيرة بملامح رعب تنظر لعنف تتلقاه والتها من والدها…أقف مصدومة ومرعوبة قليلا قبل أن أركض بسرعة إلى اللوحة التالية التي ما تلبث أن تحاول قتلي خوفًا ورعبًا مما تحمله من جروح وندبات وآلام, لأتجاوزها بسرعة إلى التي تليها محاولة إطفاء الألم المشتعل الذي توقده اللوحات بلا رأفة ولا رحمة.
أمضيت الدقائق التالية ألهث من الركض المستمر والرعب الذي يصاحب التقاء بصري بتلك اللوحات المشؤومة حتى أصل أخيرًا للوحات أخيرة تسكن نفسي هدوءًا وطمأنينة شيئًا فشيئًا حتى أدركت أني أواجه لوحتي الأخيرة!
كانت لوحة فارغة تمامًا إلا من انعكاسي ، أنا الطفلة التي نشأت في الألم وكبرت معه حتى تغلبت عليه أخيرًا…تلك المشتتة التي بُعثرت أجزاؤها فأعادت تكوينها وساهم في ذلك كل من أحبها وبقي حولها، أخيرًا ها هي تلامس تلك اللوحة بشجاعة لتبدأ ملامحها في الظهور شيئًا فشيئًا جميلًا وكأنها تنبعث منها عبر أناملها…أمي ،أخواتي ، إخوتي ،أحبابي ، زوجي ،طفلي وطفلتي… أبتسم بينما أسمع أصواتهم عبر اللوحة: “عزيزتي ،أمي ، حبيبتي ،أختي…أرجوك تماسكي واستيقظي!!”… الدموع تملأ عيناي مجددًا ، ولكن هذه المرة سعادة بأولئك الذين أعادوا لي الحياة، أغمض عيناي بينما أبتسم سرورًا، ورغبة جامحة لرؤيتهم مجددًا تجتاحني…ينبض قلبي شكرا لله بينما أفتح عيناي ببطء لأجد أولئك الذين أحبهم ويحبوني من حولي ينظرون إلي بسعادة ولهفة…وذاك الكابوس ، كابوس متحف الحياة قد تلاشى للأبد.