2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

من ينقذ مسقط من ظاهرة التسول؟

أحمد بن سليم الحراصي

Al.aast99@gmail.com

إن مما لا شك فيه أن يتردى الإنسان ويصل إلى أدنى مستوى ليسأل الناس حاجته التي يبتغيها لأجل حفنة من المال ونسى وتناسى أن الرجل الذي يأكل من عمل يده يعيش عزيزاً طوال حياته فهو ليس بحاجة لأن يتسول ويمد يديه فيتظاهر بالحاجة ويستجدي الناس عطفهم ورحمتهم بعيدا عن صدقه وكذبه فيها فيذل ويحتقر نفسه أمام الناس.

أن تتسول يعني أن تسيء لنفسك أولا ثم لسمعة مجتمعك وبلدك ثانيا، أن تحتقر نفسك، أن تذلها، أن تعكر صفوة جبينك وأن تشوه صورتك.

فالرجل يجب أن ينتشل نفسه ويخرج ما في جعبته من كل ما يملك في كسب رزقه وأن يتعفف عن السؤال.

أتحدث عن أؤليئك الذين قالوا نحن بحاجة إلى المال، إلى أؤليئك الذين يعتصرون ألمهم، عن أؤليئك الذين عرفوا قدر أنفسهم فتعففوا واكتسبوا رزقهم بأيديهم، فعرفوا أن الله هو خير الرازقين وأن رزقهم مكتوب بأيديهم وليس بأيدي الناس وأن حياتهم يُسيرها ربهم وفقا لما هو مكتوب في جباههم ساعة أن ولدتهم أمهاتهم، خلقوا أحرارا وسيظلون أحرارا إلى أن يأخد الله أمانته.

لا أعرف ما المغزى في جعل مثل محافظة مسقط منفذا لأن تقام فيها مهنة التسول، هل لأنها تعج بالكثير من السكان أم لأنها العاصمة والعاصمة تعني (The Capital)، أي المدينة الكبيرة التي تتميز بمناخها الاقتصادي وموقعها الجغرافي الذي يجعلها محط أنظار الجميع ممن سولت لهم أنفسهم لأن يتظاهروا بالحاجة، لذلك يرونها هدفا لأجل تحقيق مصالحهم الدنيئة.

أكثر المواقف التي حدثت معي أسردها بتفاصيلها وذلك عندما كنت طالبا في الكلية التقنية العليا_جامعة التقنية والعلوم التطبيقية حاليا_ كانت الخوير تعج بالكثير من هؤلاء المتسولين، يستجدون تعاطف الناس الذين يصادفونهم، قابلت الكثير منهم وكثيرا ما كان موقفي محايدا، ما كنت لأردهم لكنني أحاول تجاهلهم بين حينٍ وآخر، ليس لأنني خالي الوفاض ولكنني أمتعض من إنسان أراه هكذا، خيبة كبيرة ووخيمة أن تصادف إنسانا في الطريق يطلب حاجته، الحاجة التي يستطيع هو أن يجدها أينما وكيفما شاء، إنسان لديه العقل الكامل والجسد الكامل لأن يكسب عيشه فمن هو مانعه إذاً في أن يعمل؟؟ لست هنا لأتكلم عن البخل أو عن الكرم، أنا أعرف ما أقوله دائما، أنني أرى أمامي أناس كاملي الصحة وخالين من العاهات والعته والجنون، دائما ما كنت أتجنب هذه المصادفات لكنني غالباً ما أقع فيها، ذلك الرجل كان ينظر إليَّ بتمعن قبل مجيئه، كنت أعرف أنه متسولا من هيئته، قدِمَ إليَّ بلهفة السائل الذي أتعبته الحياة وأنهكته مصاريف الدنيا وظروفها، سرعان ما أخبرته أنني مجرد طالبٍ لا يستطيع أن يلبي طلبه، غير أنه لم يستسلم عند هذا الحد ورجاني في أن أعطيه ولو الشيء اليسير لكنني كنت صارما جداً في تلك اللحظة وشرحت له موقفي وأعدت له ما قلته مجددا وعندما رأى أن لا مغزى من مجادلتي في شيء هو لن يستطيع أن يأخذه انصرف دون أن ينبس ببنت شفه وحتى كلمة استئذان للانصراف ستكلفه الكثير إن نطقها! ثم سألني رجل آسيوي بعدها لِمَ امتنعت من إعطائه مبلغ ما ولو شيء بسيط؟ كان السؤال رائعا وكنت أنتطره حقا من كل أؤليئك الناس الجالسين في ذلك المقهى، أخبرته فقط أن يمعن النظر في ذلك الشخص جيداً ثم يعطيني جوابا! قال لي لا أعرف، قلت له أترى ما يعيبه؟ قال هو رجل مسكين! ولكن المساكين هم أؤليئك الأشخاص الذين لا يستطيعون أن يجدوا قوت يومهم لأسباب قد تختلف في العمر، الصحة، والعقل، ثم أترى في هذا الرجل ما يعيبه من هؤلاء الثلاثة؟ ، عندما عَرِف أنني ليس من أؤليئك الأشخاص الذين تستجديهم بالعاطفة وتحرك مشاعرهم غادر وانصرف لوظيفته. وهناك أيضا أحداث أخرى رأيتها بأم عينايَّ غير أنني سرعان ما أتجنب مصادفتها والابتعاد.

بعد أكثر من 4 سنوات تقريباً أنتقلت للسكن في الخوض، ولم تكن الخوض كسابقتها الخوير ولكنها صارت أسوأ منها، حيث المتسول يقطع للمأمومين دعائهم وأذكارهم بعد صلاة الجماعة، يتقدم المأمومين ثم يرفع الصوت بأنه محتاج وأن أغيثوني يرحمكم الله، بعد صلاة الجماعة مباشرة، هناك أناس يؤدون السنن الراتبة، وهناك أناس يذكرون الله، يأتي هذا الرجل في مسجد أُسِسَ للذكر وللصلاة بعيدا عن الضوضاء والتشويش بأن يُفسد للمصلين عباداتهم وطاعاتهم فكيف يطاوعك قلبك وإنسانيتك وحتى دينك في أن تقطع عليهم صلواتهم؟؟

ثم بعد أكثر من سنة تقريبا، أنتقلت للسكن في الموالح والأمر يتكرر نفسه في طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره بيده ورقة مكتوب عليها بما مفاده أن والدته مريضة وهو بحاجة للمال لعلاجها، فيطوف على أكثر من سيارة مركونة أمام المقهى، لا شك أن الجميع سيتعاطف معه كونه طفلاً، فمن ذا الذي لا تحركه المشاعر تجاه هذا الطفل؟ ولكن ما لا يعرفه الجميع وعلى حسب ظني أن هذا الطفل تُحركه لوبيات منتفعة لذلك تستخدم طفلاً كي يتعاطف الناس معه ويرحمونه فيعطونه مطلبه، فمن غير المعقول أن هذا الطفل يتحرك من نفسه لأجل أن يقضي مآربه وغاياته وللعلم بأن هذا الطفل صادفته مرتين في زمنين مختلفين!، هناك فعلاً جماعة خلف هذا الطفل وراءها مصالح وانتفاع من مكسب الطفل هذا. أنا لست متمرسا في ألعاب الشطرنج لأكشف الجماعة التي خلف هذا الطفل لأفاجئهم في النهاية بـ(كش ملك)، لكن الأمر يتطلب جهودا من جهات رسمية لكشف ما وراء الستار.

لست هنا لأقول بأن مسقط فُسدت بهؤلاء المتسولين ولكن نحن بحاجة إلى أن نجتث هذه الظاهرة من جذورها ولم أواجه أي رجل متسول في مناطق بعيدا عن مسقط إلا أنني
قرأت مقال الدكتور عبدالله باحجاج المؤرخ في الثالث من فبراير عام 2019 بعنوان (مهنة التسول) المنشور بجريدة الرؤية العمانية، ما يراه الدكتور عبدالله أن التسول استفحل في محافظة ظفار أيضاً وأن النسبة تجاوزت 94٪ من المتسولين الوافدين في حين أن النسبة وصلت 6٪ من المتسولين العمانيين ، هذه النسب وإن كانت في العمانيين قليلة إلا أنها ستزداد مع مرور الزمن وهذا أمرٌ خطيرٌ جداً ويجب إيقافه. فالإنسان متى وأراد أن يُعطي من ماله فسيُعطي وليس بحاجة لأن يطلبه إنسانا آخرا أو أن يستجدي عاطفته فيحرجه ويحرج نفسه! لذلك أقول أن الناس أجناس فما يعجب الأول قد لا يرضي الآخر، فهل نجد من ينقذ مسقط أو غيرها من المناطق والمحافظات العمانية من هذه الظاهرة؟ وهل نجد حراكا من الجمعيات الخيرية في أن تحوي هذه الظاهرة فتعطي الزكاة لمستحقيها؟ وهل نجد أيضاً هناك من يتبرع من ماله أو حلاله فتدعمه الجهات المختصة بما يريده سواءً أرض أو أي شيء لأجل إقامة فعل الخير لمثل هؤلاد البسطاء؟ أتمنى التحرك لأجل اجتثاث هذه الظاهرة؛ لأنها تسيء لسمعة بلد بأكمله بغض النظر عن ماهية جنسية المتسول، كما أنها تعكر صفوة المجتمع وتشوه صورته فيظهر المتسول بصورة المحتاج والذليل.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights