أثر اللغة العربية في مجال القانون
ظافر بن عبدالله الحارثي
اللغة هي وسيلةٌ من وسائل الاتصال والتفاهم والتعلم، وهي أداة التفكير والجوارح والمشاعر، بل ونقلها من شخصٍ إلى آخر.
كما تُعرف بكونها الرابط التاريخيّ والحضاريّ بين الأمم وجزئها الذي لا يتجزّأ من تراثها، فالعربية على سبيل المثال هي مِن أقدم لغات العالم التي تمثل هويتنا وديننا على اعتبار أنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ومما لا شكّ فيه أن لِلّغة العربية أهمية كبرى من الناحية الثقافية، باعتبارها عِلمٌ من العلوم الضرورية التي قد نأثم بسببها جميعنا إذا خَلا المجتمع من مختصيها، كما أنها تعدّ العمود الأساسي في العملية التعليمية، وإلى جانب أهمية اللغة العربية بصورة عامة، فلها أهمية خاصة عندما تتدخل بمستواها التخصصي في مجالات الحياة، كمجال القانون الذي تُضفي عليه اللغة العربية الوضوح والدقة في التعبير دون فتح أيّ مجالٍ للاستطرادات والحشو والتأويل، مما يجعل من القانون لغةً مباشرةً صارمة.
لِلغة العربية أهمية في مجال الصياغة القانونية، فهي تعبّر عن القصد القانوني الذي يودّ “المشرّع” إيصاله للجمهور، فالصياغة القانونية فنّ يتجلّى من خلال كيفية ضبط القواعد القانونية ووضعها في قالبٍ لغويّ دقيق، ومهارة تظهر من الألفاظ والمعاني والدلالات والمباني المميزة التي تتناسب مع مقاصد أحكام القانون ونصوصه.
إن لغة القانون لغة شديدة الإتقان، قوية التعبير، دقيقة الوصف، وذلك على أساس لأنها إذا ما ترتب عليها أيّ خطأٍ لغويٍّ أو تركيب نحويّ غير مضبوط فقد تُسبّب أضراراً تلحق بالفرد والمجتمع.
والجدير بالذكر أن هذه الصياغة القانونية تُعرف أيضاً بكونها عبارة عن تركيب ونظم، ومن خصائصها أنها “بقدر ما تكون دقيقة ومفهومة بقدر ما تكون صياغتها مُحكمة ومضبوطة”.
ولِلغة القانونية أنواع:
أ. أن تكون أكاديمية وهي (لغة الأبحاث والباحثين).
ب. لغة القضاء والمحاكم.
ج. لغة التشريع (القوانين واللوائح والقرارات والاتفاقيات والعقود والمعاهدات وغيرها).
لقد حظِيت اللغة العربية باعترافٍ مباشَرٍ من الدساتير العربية، فعلى سبيل المثال نصت المادة (٣) من النظام الأساسي للدولة- سلطنة عُمان- أن “لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية”، ولعلّنا من خلال نصوص القانون وطرق صياغتها، والكيفية التي تمّ توظيف المصطلحات المنتقاة وتركيبها في الجملة، نستنتج دَور اللغة العربية وأثرها، لا سيما عند استخدام جُمل النفي والإنكار، وجُمل الجزاءات والعقاب وغيرها التي تقرر الحقوق والحريات، والجُمل التي تشير لفئةٍ بعينها دون غيرهم من الأفراد؛ يقول عبدالرزاق السنهوري (الفقيه القانوني الأبرز):
“يجب أن تكون لغة التقنين واضحة ودقيقة، فاللغة المعقّدة تجعل القانون مغلقًا، كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهماً”.
ونظرًا لعمق ودقة تفاصيل هذا الأمر الذي يوضح البناء اللغويّ للنصّ القانوني، أوكِل لكم مهمة التعرف والاطلاع على بعض هذه النماذج من خلال البحوث الأكاديمية العلمية المنشورة من قبل المتخصصين في علم اللغة العربية.
إن أهمية اللغة العربية في تزايدٍ مستمر، ويعول عليها في كل مجالات الحياة وليس فقط في القانون، وكما تهتم اللغة العربية بالقانون كان من الواجب أن يهتم القانون باللغة من خلال نصوصه التي تُضفي عليها حمايةً خاصة لا سيما في استخدامها أثناء تعامل الأفراد بين بعضهم البعض.
فالقانون هو التعبير الأسمى لإرادة الأمّة، وهو المظهر الأبرز لسيادة الدولة، لذا فمن الملائم أن تهتم الدول العربية بها جيدًا، وأن تضطّلع جامعة الدول العربية لاعتماد قانونٍ نموذجي عربي لحماية اللغة العربية تسترشد به كافة الدول الأعضاء أثناء وضع تشريعاتها المحلية، كما أوصي كذلك بإعداد معجم لكافة المصطلحات القانونية.
إن ضمان انصهار اللغة العربية بالقانون وسلامة استخدامها يصبّ في مصلحة العدالة وإجراءاتها، ويحمي حقوق الأفراد، كما أنها تحرص على فاعلية قانون اللغة ولغة القانون.