للطراز المعماري للمنازل بمحافظة ظفار قديما شواهد تاريخية لفنون العمارة العمانية
صلالة – العمانية
يعد الفن المعماري التقليدي في محافظة ظفار من الفنون العمانية العربية الإسلامية من حيث الزخارف والتشكيلات المعمارية ذات الطراز التراثي الذي انطبعت بالتراث الحضاري العماني منذ العصور القديمة وبقيت آثار هذه الفنون متواصلة حتى العصر الحديث، وتطورت من حيث الإبداعات والتجديدات، لكنها بقيت مرتبطة بالفن العربي الإسلامي الذي يعكس البيئة والمؤثرات والعادات والثقافة.
والكثير من الرحالة الذين زاروا محافظة ظفار في حقب مختلفة تحدثوا عن التراث المعماري والأشكال والزخارف في الأماكن التي زاروها، ومن هؤلاء الذين كتبوا بتوسع عن التراث المعماري الرحالة (باولو إم كوستا) في دراسته لمدينة ظفار القديمة (البليد) وقد أعطوا الكثير من المؤثرات التراثية في هذا البناء المعماري سواءً القصور أو البيوت أو المساجد، سيما المسجد الكبير في هذه المدينة القديمة.
كما وصفوا مسجد الرباط ومعماره الذي يمتاز بأنموذج فريد بأعمدته المثمنة أضلاعه وزخارف الجص حول محرابه والتي تمثل أشكالاً من الزخارف النباتية؛ حيث هذا النوع من الزخرفة يتوفر في إطارات النوافذ والأبواب كما أنه أنموذج أيضاً لنوع المعمار الذي يمتاز بصفوف من الأعمدة والكمرات الخشبية التي تتكون من ممرات موازية لحائط القِبلة، ويعد هذا الطراز البسيط والأساسي، والذي يمكن أن يتمتع بإضافات كثيرة من الزخارف الأكثر تعقيدًا على كل من تيجان الأعمدة وقواعدها علاوة على أجسام الأعمدة نفسها بالإضافة أيضًا إلى كمرات خشبية وأبواب وأعمال الجص المزركشة .
ويذكر الرحالة برترام توماس الذي زار ظفار في أوائل القرن الماضي: أن المباني العالية المتعددة طوابقها والمبنية من الأحجار المنحوتة من تربة السهل تشكل منظرًا ساحرًا، فضلاً عن الزخرفة والتشكيلات المتنوعة وتعد زخرفة السقوف – كما يقول توماس- والتي تسمى بلهجة المنطقة ”التباشير” السمة المميزة للبيوت الكبيرة، وتتم هذه الزخرفة في زوايا السقوف وفي الأطراف بما يضفي جمالاً رائعاً على هذه الزخارف.
وقال عبدالله بن علي العليان – باحث بمجال التاريخ- : إن التراث المعماري في محافظة ظفار تجده يتقاطر مع الطراز المعماري الإسلامي حيث يتسم بالعديد من الزخارف ذات التقسيمات المختلفة الجميلة، وتدل على الذوق الفني الرفيع عند هؤلاء البنّائين والنحّاتين، الذين امتازت أعمالهم المعمارية بالإبداع المتقن.
وأضاف: إنه من بين البناء المعماري القديم؛ “الأقواس”، حيث تم توظيفها بأشكال متعددة ضمن زخرفيات بديعة، واستخدام الأشكال التي تعبّر عن جماليات الشكل الخارجي من حيث الزخارف والأقواس “العكوف” التي تستلهم التراث العربي الإسلامي – في مجمله- من الترويقات النباتية والأشكال الهندسية التي عادة ما تجسد العديد من التشكيلات العمانية التقليدية الأخرى التي تضفي على الطراز المعماري بعض الجماليات كالمثلثات والمربعات وغيرها من التشكيلات وهذا ما نجده على الأبواب في ولايات صلالة وطاقة ومرباط وغيرها قبل أن تزحف المعماريات الوافدة على هذه النماذج وتتراجع نوعاً ما، وإن بقي الإطار العام للشكل الخارجي يحمل رمزًا تراثيًّا عمانيًّا.
أما الأبواب في محافظة ظفار – قديما- فأشار العليان إلى أنها كانت تحظى بعناية واهتمام كبيرين لأن الأبواب إحدى أهم الواجهات المنزلية، ولذلك توضع للباب الرئيس على وجه الخصوص الكثير من الأشكال الهندسية والزخارف التجميلية خاصة أن الأبواب عادة ما تكون من الأخشاب وفيها زخرفة خاصة من فنيين عمانيين لهم خبرة واسعة ودراية وملَكات إبداعية تأخذ الطابع الجمالي المتعارف عليه حيث النقوش التي تُبرز هذا الطراز المعماري والأسس الفنية بطريقة رائعة.
وكانت هذه الأبواب ونتيجة الوسائل البسيطة للنحت والتشكيل واستجلاب الخشب ووضع الزخارف تأخذ شهورًا طويلةً حتى يتم إنجازها لأنها ذات أشكال وتقسيمات بديعة، لكن هناك أبواب بعضها لا يتم العناية به ويأخذ الشكل العادي ويتم إنجازه في أسابيع وبه بعض الزخارف البسيطة العادية حسب قدرات الشخص المكلف بإنجازه.
وأكد العليان أن الاهتمام بالنوافذ “النافذة ” لا تقل عن الأبواب والواجهات الخارجية الأخرى، حيث تبرز الأشكال الفنية من حيث الزخرفة والفن المنحوت من خلال متخصصين يملكون خبرات في صناعة النوافذ الخشبية التقليدية التي عادة ما تكون من الأخشاب المحلية، والتي تؤخذ من الأشجار الكبيرة في جبال محافظة ظفار كالسدر والطلح والقرط وغيرها من الأشجار.
وعندما يتم عمل هذه “النوافذ” فإن النجارين المختصين يعتنون عناية فائقة بالزخرفة والتشكيل الفني المعماري – مهما يستغرق من وقت لازم- لهذا العمل للحفاظ على سمعة هذه المهنة بعيدًا عن الاستعجال والسرعة غير المبررة وكان البناؤون عندما يبنون المنازل يضعون في حساباتهم ما سيتم وضعه بعد البناء بدون أن تكون لديهم خرائط أو مخططات مكتوبة، لكن الخبرة والأعراف في البناء أوجدت الحس الفني من حيث التناسق والدقة في اختيار أماكن النوافذ بدون خرائط مسبقة، سوى قياساتهم اليدوية البسيطة.
ويهتم الأهالي بالمحافظة اهتماما كبيرا “بالستائر التقليدية” في نوافذ المنازل باعتبارها ضمن العادات المتوارثة لكونها ساترة لحركة العائلة في المنزل، وتعطي بعض الجمال من الخارج، وبعض هذه الستائر تصنع من العيدان الصغيرة وتربط بحبال ذات أحجام خفيفة وتؤخذ من سعف الأشجار، والميزة اللافتة في هذه الستائر أنها صحية ولا تحجب الهواء الطلق من النفاذ إلى الغرف والرواق، وعادة فإن هذه الستائر ترفع بخيط مربوط في جانب النافذة وقت النهار وإسبالها في الفترة المسائية.
وأضاف العليان: إن الأهالي في محافظة ظفار كانوا يهتمون بالطلاء الخارجي للمنازل ووضع تشكيلات زخرفية على واجهة المنازل الخارجية بما يجعل هذه المنازل ذات جمال وطابع محبب للناظر إلى هذه الواجهة .. مشيرًا الى أن المنازل القديمة كان يتم صبغها بطلاء يسمى “النورة” الذي يستخرج محليًا، لكن البنائين في ظفار ومع أهمية التطوير والتجديد في الشكل الخارجي مازجوا بين “النورة” البيضاء وغيرها من الأتربة والرمال في إنتاج طلاء جديد لبعض البيوت لكن “النورة” البيضاء تكون هي الغالبة
في الواجهة الخارجية مع التشكيلات الفنية.
من جِهة أخرى قال الباحث الأستاذ أحمد بن محاد المعشني: إن العمارة التقليدية مفردة من أهم مفردات التاريخ الثقافي للمجتمعات، لأنها تكشف عن الكثير من المكنونات الثقافية والتراثية وتعبر عن درجة الوضع الاقتصادي السائد آنذاك.
وأشار إلى أن العمارة العمانية تعد مدرسة كبيرة وجزءًا مهما من العمارة الإسلامية؛ وذلك لثراء مكوناتها وتنوع مفرداتها، وتُعّد العمارة التقليدية في محافظة ظفار من أهم فصول العمارة العمانية، لِما تتميز بها من ثراء ولما تحويها من عناصر، فالمتجول في الأحياء التقليدية في محافظة ظفار سيشاهد الطابع المتميز للعمارة ؛ من حيث مفردات التخطيط، ومواد البناء المستخدمة، ومرافق البناء، والأنماط المعمارية المختلفة سواء السكنية أو التجارية أو العسكرية أو غيرها من الأنماط.