تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
أخبار محلية

مسجد سيدي الحلوي.. تحفة معمارية من الدولة الزيانية

الجزائر – العمانية

يُعدّ مسجد سيدي الحلوي الشوذي، بولاية تلمسان غرب الجزائر، من بين المساجد التي تحمل خصائص العمارة المرينية التي تعتمد
على ضخامة المنشآت، وقوة الأسوار، ومناعة العناصر الدفاعية.

أمر بتشييد هذا المسجد أبو عنان المريني عام 754م، الموافق لـ 1353هـ، تكريما لشيخ القضاء الأندلسي أبي عبد الله الشوذي الحلوي، الذي قدم إلى تلمسان، عاصمة الزيانيين، بعد سقوط أشبيلية على يد الصليبيين مع عدد كبير من سكان الأندلس.

وفور دخوله إليها، تفرّغ للعلم والفقه، وزهد في ممتلكاته التي تبرّع بها للفقراء، وصار بائع حلويات، وفي المساء، كان يوزّع الحلوى مجانًا على الأطفال الذين أطلقوا عليه “سيدي الحلوي”، نسبة إلى عمله.

وقد أحبّ سكان المدينة الرجلَ الإشبيلي الزاهد، وصاروا يتتلمذون على يديه وينهلون من علمه، إلى أن سمع به أبو زيان محمد، سلطان الدولة الزيانية، فاستدعاه إلى بلاطه، وأوكل إليه مهمّة تدريس أولاده، وشيئا فشيئا، ازداد حظوة لدى السلطان، ممّا أثار غيرة الحاشية التي اتّهمته بممارسة السحر، فأمر الوزير بقطع رأسه الذي ظلّ معلّقا إلى أن دفنه سكان الضاحية في تلة مرتفعة، بينما رميت جثته إلى الكلاب.

وبعد مرور سنوات، أدرك السلطان أنّ وزيره خدعه عندما أقنعه بأن الشوذي يمارس السحر، فأمر بدفن الوزير حيّا جزاء لظلمه، وأعاد تكريم ما تبقّى من رفات العالم الإشبيلي وأمر ببناء مسجد صغير عند أسفل التلة التي دُفن فيها سنة 1357م، وأطلق عليه اسم “سيدي الحلوي” تكريما له.

يتألف المسجد من قاعة للصلاة ذات شكل مربع، وهي متوسطة الحجم والمساحة، إذ تحتوي على ست عشرة سارية من النوع الكبير، ثمانية منها في الوسط، سيقانها رخامية دائرية قصيرة، وعليها تيجان رخامية ذات شكل جميل أُقيمت عليها باقي الأعمدة ذات النوع الغليظ إلى السقف، أما الثمانية الباقية على الأطراف، فغليظة ومربعة، وخالية من الرخام.

أما محراب المسجد، فهو ذو كوّة سداسية الأضلاع تغطّيها قبّة مثمنة ذات مقرنصات يعود أصلها إلى إيران، أما بالنسبة للتيجان التي تعلو أعمدة المحراب فتُذكّر بتلك الموجودة بمدينة الزهراء، وبمسجد القرويين بفاس، التي تستوحي بدورها عناصرها من التاج المركب للفترة العتيقة.

وتتوفر أكتاف العقود على زخرف مشكّل من شريط منقوش بعناصر نباتية لديها ما يُماثلها بجامع القيروان، وقصر الحمراء بغرناطة، ومن المحتمل أن تكون هذه التيجان والأعمدة قد جُلبت من قصر المنصورة الذي بناه السلطان أبو يعقوب بن عبد الحق المريني سنة 1303م.

ولقاعة الصلاة سقفٌ خشبيٌّ مصنوعٌ من خشب الأرز، وهو من السقوف التقليدية التي تحتوي على زخارف هندسية، ونجيمات، ومثمنات، ومربعات، ومعيّنات. أما الجدران فنجدها في الداخل، وخلف قاعة الصلاة توجد ساحة كبيرة في مستوى مساحة القاعة يتوسّطها حوض ماء للوضوء.

وخلف الساحة غربا، يتواجد باب المسجد الرئيسي، وقد طُرزت أطرافه وحواشيه بالنقوش والكتابات منها اسم السلطان أبو عنان المريني.

وبُنيت المئذنة في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد، وترتفع بشكل مربع الزوايا، وبها برجٌ رئيسيٌّ مزيّنٌ بأشكال مختلفة من الزخارف المصنوعة من البلاط الفسيفسائيّ يحمل خصائص العمارة الموحدية.

وعلى مسافة قريبة من المسجد، أي بالجهة الجنوبية الشرقية للمسجد، وسط جرف الجبل، يوجد الضريح والقبة التي دُفن فيها “سيدي الحلوي الشوذي”.

وما يزال هذا المسجد العريق، حتى اليوم، مقصد سكان الأحياء المجاورة يؤدُّون فيه صلوات الجُمَع والأعياد، ويُتلى فيه القرآن الكريم، كما كان إبان ثورة التحرير الجزائرية سدّا منيعا أمام عمليات التنصير والإدماج التي سعى لها الاستعمار الفرنسي دون جدوى.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights