الإسلام رسالة خالدة ومحمد خاتم الأنبياء والرسل
د.محمد بن أحمد البرواني
محاربة الإسلام ودين الله في أرضه ديدن كل العصور و ليس مختص بهذا العصر بل يتجدد دائماً بأشكال مختلفة و متعددة يطلقها ذوي العقول القاصرة و النفوس المضطربة ومن عَـمِيَ قلبه قبل بصره بخلق الله لهذا الكون سمائه و أرضه في أن يتفكر فيه و يصل إلى الحق ولا يفعل ذلك إلا منكراً جاحداً ينكر وجودية الله سبحانه وتعالى و يشرك به و يكفر بنعمته ولم يكن الإسلام إلا منبعاً للرحمة و السعادة و الخير فهو خيار إلهي أعزّ الله به عباده الذين خلقهم ليؤدوا تعاليمه و يكونوا خليفته على هذه الأرض حيث قال الله عز وجل في محكم كتابه: ﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً ﴾[البقرة: ٣٠]، وبعد أن أرسل الله رسله للناس ليُعلمهم دينه وليقوموا بخلافته من أنكر ذلك ولم تسعهُ بصيرتهُ ولم يساعدهُ عقلهُ لتحليلِ هذا الكون وما وجّههُ لهم خالِقهم من بينات وأمثــلة تدحـض توجهاتهم وتبين لهم طريق الرشاد ﴿وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾[البقرة: ٢٣] وقال تعالى ﴿وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمونَ﴾[العنكبوت: ٤٣] واستمروا في غيِّهم إلى يومنا هذا وهم لا يملكون ما يستطيعون به أن يواجهوا القدرة الإلهية في تسيير هذا الكون بنظامه ودقته فهم جاحدون واهمون تسيطر عليهم شياطينهم و نفوسهم العمياء عن الحقائق الإلهية التي يشاهدونها أمام ناظريهم ويفسرونها وفق تأويلاتهم ويدّعمونها بقراراتهم القاصرة و قوانينهم الناقصة البائدة و يرون أنهم على الحقَ بتمسكهم بما أوَلت لهم أنفسهم من وضع قوانين لا تستند إلا على باطل جاحد وحاقد مغرض وما بَحث سيدنا إبراهيم عليه السلام و تبصّره في هذا الكون إلا مثالاً على توجه المتبصّر العاقل الذي تحصل على الوجودية الإلهية بفكره وبحثه وذلك في قول الله تعالى عنه: ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأى كَوكَبًا قالَ هذا رَبّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلينَ★ فَلَمّا رَأَى القَمَرَ بازِغًا قالَ هذا رَبّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِن لَم يَهدِني رَبّي لَأَكونَنَّ مِنَ القَومِ الضّالّينَ★ فَلَمّا رَأَى الشَّمسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبّي هذا أَكبَرُ فَلَمّا أَفَلَت قالَ يا قَومِ إِنّي بَريءٌ مِمّا تُشرِكونَ★ إِنّي وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرضَ حَنيفًا وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾[الأنعام: ٧٩ ]، وهو مفتاح الباحث عن الحقيقة كيف وهم يعملون على البحث و الاستقصاء في العلوم للوصول إلى الحقيقة ويؤيدون ذلك ويعملون على تضمين علومهم و مناهجهم و يصنعون المعامل والمخابر لتحقيق ذلك ولكنهم في وجودية هذا الكون وخالقه ومُنشِأِهِ من العدم يشيحون بإدراكهم جانبا ويجرون وراء مادياتهم وما نسّقوه وحرّفوه من كَلِم إشباعا للذاتهم نكراناً ومكراً على الرغم مما أورده بعض علمائهم ومفكريهم عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، حيث قال الشاعر والمؤرخ والكاتب الفرنسي دي لا مارتين (إذا كانت عظمة الهدف وضعف الوسائل والنتيجة الكبرى التي تحققت هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان فمن يجرؤ بعد الآن على إجراء مقارنة إنسانية بين رجل عظيم من التاريخ الحديث وبين النبي محمد؟ إن أشهر الرجال العظماء لم يهزوا إلا الأسلحة والقوانين والإمبراطوريات، أما هو فقد حرك الجيوش والتشريعات والإمبراطوريات والشعوب والسلالات المالكة وملايين الناس في ثلث المعمورة وزعزع الأماكن المقدسة والديانات والآلهة والأفكار والمعتقدات والأرواح، لقد أُسّس على قاعدة القرآن الكريم الذي أصبح فيه كل حرف يشكل قانونا هوية روحية تشمل شعوبا من كل اللغات والأعراق وطبع بحروف لا تزول لهذه الهوية الإسلامية الكره للآلهة المزيفة وعشق الله الواحد وغير المادي) ، وتحدث الكاتب الإنجليزي والفيلسوف والمسرحي – جورج برنارد شو إذ قال: (إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائما موضع الاحترام والإجلال ، كما قال إن رجال الكنيسة قد طبعوا في القرون الوسطى دين الإسلام بطابع أسود حالك إما جهلا وإما تعصبا إنهم كانوا في الحقيقة مسوقين بعامل بغض محمد ودينه فعندهم أن محمداً كان عدواً للمسيح ولقد درستُ سيرة محمد الرجل العجيب وفي رأيي أنه بعيد جدا من أن يكون عدواً للمسيح إنما ينبغي أن يدعى منقذ البشرية)، وقد تحدث العديد من كتاب ومفكري الغرب عن هذا الرسول العظيم وحتى كتّاب الشرق بإنصاف لما رأوه من عظمةِ هذه الرسالة وهذا القائد العظيم الفذّ الذي كان الأولى من أتباعه أن يكونوا أكثر تأثيرا لهذه البشرية في عصرنا، فالقيم الإنسانية رسالات الله عز وجل من آدم عليه السلام وحتى محمد صلوات ربي وسلامه عليه الذي أرسل للناس كافة و بَشّرت به الرسالات التي سبقته والذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق التي بدأ بها الرسل صلوات الله عليهم من قبل مبشرين لهذا الخلق يدعونه إلى الخير و فعله ليبينوا للبشرية جمعاء الطريق الأقوم والسبيل الحق الذي يجعلهم سعداء متعاونين متحابين،﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ ﴾[آل عمران: ١٤٤].
جاء ليتمم مكارم الأخلاق و ليكمل رسالات ربه سبحانه وتعالى ﴿ اليَومَ يَئِسَ الَّذينَ كَفَروا مِن دينِكُم فَلا تَخشَوهُم وَاخشَونِ اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دينًا ﴾[المائدة: ٣]، ليكون الإسلام هو الدين الخاتم مؤيداً بكتابه الكريم القرآن العظيم الذي يبين كــــل أســـاليب الحياة للإنسان بتشريعاته وقوانينه هو منهج حياة وسبيل رشاد معزازاً بالحقائق بعيدا عن التأويلات مبّصراً واضحاً كوضوح الشمس في كبد السماء لمن تدّبر وتفكّر، وقد كابد الرسول صلوات ربي وسلامه عليه مختلف أنواع المشقة وصنوف الاضطهاد والاتهام وواجه أتباعه أشكال العذاب ولم ينثنِ محققاً بذلك غاية الله التي أرادها لعباده.
إن النظرة المتشائمة القاصرة للإسلام و الإساءة إلى رموزه لا تغير في الإسلام شيئا بل تعليه و تزيد رموزه مكانة عالية في سوامق المجد و العزّة و الكرامة لأنه ببساطة رسالة عظيمة خالدة أبد الدهر إلى أن يرث اللهَ الأرض ومنَ عليها، رسالة تدعو الى الرحمةِ و خلاصِ الإنسانية من الجهل وبراثن الظلمِ و العبوديةِ التي يَعبدُ فيها الانسان مخلوقاً لا يملك درء ما يضره ولا يستطيع جلب ما ينفعه ولا يمكن لأمة الإسلام في ظل هذه الهجمات و التصورات و الاعتداءات إلا أن تتخلق بخلق الإسلام وتعظ عليها بالنواجذ وأن تعد العدّة لتقوية نفسها في مواجهة كل التحديات وتعمل على الاستفادة من المفكرين وتعمل على رعاية الموهوبين وتعزيز التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة لوضع الأسس في تعليم كتاب الله، وتحسين التعليم المدرسي ليكون غايته تعليم المهارات اللازمة و المتعددة التي تحقق الغاية الكبرى في التعليم الجامعي وهي الابتكار بما يجعل الأمة معتمدة على ذاتها في مأكلها و مشربها و ملبسها، وسائر مقتضيات ما يحتاجه الإنسان في هذه الحياة مسايرة التقدم في كل عصر تكون هي رائدته و مقدمةً للعالم المثل و التعاليم الإسلامية، ليعيش هذا الكون في سلام و حرية و اطمئنان بالعدل الذي سعى لتأصيله في هذه البشرية النبي العربي محمد -صلى الله عليه و سلم-.