عقد الزواج ميثاق غليظ
ظافر بن عبدالله الحارثي
نظرًا لطبيعة بعض المعاملات (أي العلاقات التي تنظم علاقة الإنسان بغيره) وخصوصيتها، وضع المُشرع قواعد قانونية تتناولها على وجه الخصوص بغرض إحكام تنظيمها، وهو ما يُعرف في القانون بالعقود المُسَمّاة أي التي سَمّتها القوانين ووضعتْ لها نصوصاً قانونيةً خاصةً لها، علاوةً على القواعد العامة؛ ولأن الشريعة الإسلامية هي مِن المصادر الأساسية للقانون، يستمدّ المُشرع (واضع القوانين الحديثة) منها الكيفية والآلية والأدلة التي تُعينه على حِرص تطبيق النصوص التنظيمية التي جاء بها القرآن الكريم والسُّنّة في المجتمع؛ وعقْد الزواج مِن هذه العقود التي حَظِيت باهتمامٍ بالغٍ وأهمية قصوى نستنتجها من خلال آيات القرآن الكريم التي تحدّثتْ عنها بشكلٍ مستمرّ ومباشر، ثمّ القوانين الوضعية التي أفردتْ كُتباً وأبواباً خاصة في قانون الأحوال الشخصية العماني، والتي تجاوزت ١٥٠ مادة.
إنّ العمل في المسائل الشرعية كان معمولاً بها في السلطنة من خلال المحاكم الشرعية من قِبل الفقهاء، ولكنّ صدور قانون الأحوال الشخصية عضد المنظومة العدلية والنظام القضائي لاسيما في موضوع الزواج، فالمقصود من مصطلح الأحوال الشخصية (المسائل التي يكون موضوعها الأشخاص كالزواج، والنسب، والحضانة، والطلاق، والخلع، والأهلية وغيرها)، ومن خلال هذا القانون تناول المُشرع موضوع الزواج على كتابين، أمّا الأول تحدّث عن الزواج وأحكامه، والكتاب الثاني خصّصه للفُرقة بين الزوجين وما يتعلق بها، ويندرج تحتهما أبواب وفصول ومسائل كثيرة ذكرها القانون.
عقد الزواج معروف (بالميثاق الغليظ) وهي صفةٌ وصفه بها المولى عزّ وجلّ في سورة النساء؛ نظرًا لقوة هذا العقد وعظمته وما يترتب عليه، حتى عندما ينقضي هذا العقد لأسبابٍ مُختلفة عن طريق الفُرقة والطلاق وغيرها من الأسباب، وُصفت هذه الحالة بأنها أبغض الحلال عند الله، وهذا الأمر بلا شكّ يستدعي أن يدرك الأفراد المقبلين على هذه الخطوة وهذا العقد الإلمام بكل شيء متعلق به، بل وتثقيف أنفسهم وامتلاك حصيلة من المعرفة والوعي، والجدير بالذكر أنّ هذا الأمر يتعاظم كُلما تقدم المجتمع واختلفت الأزمنة وأحاطت بها مظاهر التطور، علاوة على أنّ كلما بُنيت العلاقة الزوجية على مودّةٍ ورحمة وقامتْ على احترامٍ متبادل، وتضمنت قِيَم المُشاركة والمسؤولية والثقة والتسامح وغيرها، زادت فرص نجاح هذا العقد بل نجاح هذه الحياة التشاركية لأن الزواج في اللغة هو اقتران الشيء بالآخر وبمعنى الاختلاط (معجم الوجيز).
وعلى الرغم من جميع تلك الوسائل التي بَيّنت أهمية هذا العقد، ووضّحت الآثار المترتبة عليه التي تُلامس الجانب الاجتماعي والأخلاقي والأُسَري، والوسائل التي حرصتْ على تنظيم وتقويم سلوكيات الناس، إلا أنّ محاكمنا تشير إلى أن مجموعة كبيرة منّا لمْ تستوعب كلّ ذلك، ولربما الإحصاءات التي تُنشَر بين الحين والآخر لعدد الحالات خير مُذكّر، نلاحظ من خلالها حجم الزيادة ونتسائل عن الأسباب التي دفعتْ إلى اعتناق الحلّ الآخير (الحلّ الأصعب)، وكذلك عن دَور المؤسسسات والمتخصصين، والأهم دَور الأسرة في توجيه تصرفات الزوجين، وتعزيز الوعي والثقافة الزوجية وكلّ ما يندرج تحتها؛ نعم صحيح أنّ لكل شيء قدره وصحيح أنّ مسارنا ونهجنا مختلف، بل حتى إنّ الكيفية التي نسلك من خلالها مساراتنا متنوعة، وما قد يكون مهم بالنسبة لشخص قد لا يُشكل أولوية عند الآخر، ولكن مقالي هذا كالقانون يتدخّل عندما يتأذّى شخص ما، ويتعدّى الآخر على شخص، وعندما تتسع دائرة التعامل لأكثر من فرد.