إِمَّا تَتَجَدّد أو تَتَبَدّد…Innovate or Evaporate
د. رضية بنت سليمان الحبسية
إنّ التغييرَ هو أحد سمات العصر التقني والرقمي. فإذا كان التغييرُ واقعًا تنظيميًّا، فإنّ التعاملَ معه أصبح جزءًا من مسؤوليات واختصاصات قادة المنظمات على اختلاف مجالاتها وأنشطتها. وكما أنّ الاستفادةَ مما يفرزهُ التّقدم العلمي والتكنولوجي أمرًا حتميًّا، فإنّه من الصعب التخلي عن مستحدثاته؛ نظراً لما تقّدمه من مزايا للبشريةِ في مختلفِ القطاعات، ومنها قطاعُ التّعليمِ.
تتنافسُ المؤسسات التّعليمية على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومواكبة التطور المتسارع في العصر الحالي. ومع ظهور الإنترنت وتطوّر طرق تخزين المعلومات واسترجاعها، ظهر التّعليم المدمج الذي يعتبر أحد طرق توظيف التّعليم الإلكتروني في التّدريس. فالتعلم المدمج Blended Learning هو توظيف المستحدثات التكنولوجية في الدمج بين الأهداف والمحتوى وأساليب التعلم من خلال أسلوبي التعلم التقليدي وجهاً لوجه والتعليم الإلكتروني E-Learning. فهو أحد أنظمة التّعلم التي تمزج بين التّعلم الصفي والإلكتروني وفق متطلّبات الموقف التّعليمي؛ بهدف تحسين تحقيق الأهداف التّعليمية وبأقل تكلفة ممكنة.
فإذا كان التّعليم المدمج هو الخيار الأمثل للتعليم في ظل الألفية الثالثة، فإنّ تدريب الكوادر البشرية على أدواته بات أمرًا ضروريًّا لمواكبة معطيات الثورة الصناعية الرابعة بدرجة عالية من الفعالية. وعلى الرغم من حتميّة ذلك، إلّا أنّ الأمر لا يخلو من تحديات وعراقيل مادية أو بشرية. إذ تتمثل التحديات المادية في قلة الموارد المالية وقلة توفر الجوانب اللوجستية الأساسية لتطبيق ذلك النوع من التعليم. بالإضافة إلى مقاومة بعض الموارد البشرية للتغيير المنشود؛ نظرًا لقلة امتلاكهم المهارات الأساسية اللازمة لتفعيل التعليم المدمج في تنفيذ الدروس التعليمية، أو الاتجاهات غير المنصفة لإيجابيات هذا التعليم.
إنّ مقاومة التغيير المرتبط بتطوير أساليب التعليم والتعلم، يجعل من المقاومين مَدخلًا للتّبدّد لا التّجدّد، والتّقادم بدلًا من التّقدم. فالأمر يتطلبُ التعاون الجاد من قِبِلِ ذوي العلاقة بالمؤسسة التعليمية في سدّ فجوات التطبيق الفعّال للتعليم المدمج، وإكساب المستهدفين المهارات اللازمة لاستخدام تقنيات التعليم المدمج وفق خطط تدريبية مُمنهجة وبأساليب عملية عالية الجودة.
وفي ظل التنافسية العالمية بين مؤسسات التعليم، تبذلُ تلك المؤسسات جهودًا جبّارة لتذليل التحديات جميعها لتكون في مصاف الدول المتقدمة بمجال التعليم ومخرجاته. كأنْ تعمل على تعزيز قدرتها على التأقلم مع تلك المتغيرات التي تواجهها في عالم سريع التغيّر، من خلال مواءمة سياساتها وعملياتها وقوانينها الداخلية والخدمات التي تقدمها. وما دون ذلك، فلنْ يكون للمؤسسة التربوية موقعًا بين الدول ولا لمخرجاتها رقمًا بين أقرانهم على المستوى العالمي.
جميعنا يشهدُ الحراك التقني والتربوي والتعليمي على مستوى وزارة التربية والتعليم في سلطنة عُمان؛ سعيّا لتطوير تقنيات التعليم والتعلم بما يواكب المرحلة والظروف والعصر الرقمي. وإنْ كان ذلك يدل على أمر، فإنما يدل على التّسليم التّام بأهمية التّقدم والتّجدد في نواحي العملية التعليمية التعلمية قاطبة، وهو أمرًا يُحسب لمؤسستنا التعليمية في تقدّمها بخُطى واثقة نحو تحقيق رؤية عمان 2040. وستشهد الأجيال القادمة على إيجابيات النقلة النوعية في النظام التعليمي بجهود ليست بالهيّنة في زمن قياسي برغم التحديات المحلية والإقليمية بل والكونية.
كما أنّ جهود المخلصين المبكرة من إدارات مدارس ومعلمين ووظائف مساندة جنبا إلى جنب مع أولئك الجنود المجهولين من مخططين وإداريين وفنيين بديوان عام الوزارة والمديريات التعليمية للرقي بالنظام التعليمي، يجعل منا جميعًا نترقبُ بلهفةٍ واثقة لبدء عام دراسي جديد 2020/2021م وفق أسس متينة وتخطيط محكم وبدائل مدروسة ومعطيات متينة لمواصلة مسيرة التعليم بحكمة واقتدار في ظل القيادة الرشيدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه.
وفي الختام: إنّ للتطّور التكنولوجي والمعلوماتي في المجال التعليمي مزايا وفوائد جَمّة. فعلى أطراف العملية التربوية والتعليمية التعلمية كافة مواكبة ذلك التطّور والنّهل من معطياته بما يتناسب وفلسفة التعليم واستراتيجياته الوطنية. فإنْ لمْ تَتَجَدّدْ تَتَبَدّد، وإنْ لمْ تَتَقّدمْ تَتَقَادم. ولنجاح الجهود المبذولة من المؤسسة التعليمية، لا بد من تعاون المجتمع أفرادًا ومؤسسات، وفي مقدمتهم الطلبة وأسرهم؛ لما لهم من أدوار مباشرة وأساسية في تنفيذ خطط وبرامج التعليم وبما يحقق التوجهات الاستراتيجية لسلطنة عُمان.