2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

بريءٌ حتى تثبت إدانته

ظافر بن عبدالله الحارثي

من القواعد القانونية الأساسية والأصيلة ذات العلاقة بحقوق الإنسان بصفة عامة، قاعدة ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، وهي قاعدة نجدها مذكورة في أغلب دساتير دول العالم؛ وفي سلطنة عُمان نصت عليها المادة (٢٢) من النظام الأساسي في باب الحقوق والواجبات العامة؛ حيث أتت هذه المادة مكملة لما سبقها من نصوص تؤكد على سواسية الأفراد أمام القانون وأحقيتهم في التمتع بالحقوق الإنسانية المحفوفة بالكرامة والحرية، والمقترنة بما أقرّته الشريعة والنظام مما يحفظ الإنسان وينظم حياته؛ وكذلك منسجمة بالنصوص اللاحقة لها التي ترسخ فكرة أن لا صوت يعلو على صوت القانون، لا سيما في الإجراءات القانونية التي لا بد أن يتقيد بها الأفراد من ناحية، والتي يجب أن يعاملوا بها من قبل السلطة من ناحية أخرى.

لعل أول ما يخطر في ذهن الإنسان هو ما الأثر الذي يترتب في حال اعتماد هذه القاعدة؟، والإجابة على هذا التساؤل ينجلي من خلال الألفاظ والمعاني الواضحة التي احتوتها هذه القاعدة والتي تخلصنا القول إلى أن مفاده لا يمكن التعامل مع إنسان أُتهم أو قد دارت حوله شبهات إلا على أساس أنه بريء، وذلك حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية عادلة تتضمن تأمين الضمانات التي تمكنه من الدفاع عن نفسه؛ علاوة على ذلك أن يكون النشاط الذي أتى به مجّرماً ومعاقباً عليه في القانون؛ وذلك إستناداً لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءاً على نص في القانون وهو ما يعرفه الحقوقيون بمدأ الشرعية الجزائية.

إن أبرز التساؤلات التي ترد حول هذه القاعدة، هي ما الحكمة في إقرار هذا الحق؟، والإجابة على هذه المسألة لا تبدوا معقدة كما قد يراه البعض، وذلك استناداً على أن الإنسان بفطرته السوية يميل إلى العدل بعكس ما قد يظنه البعض ميلانه إلى الجريمة، وهذا يتطلب على من يعتنق فكر المسار الثاني إثبات العكس، فالمتهم لا يكلف ببرائته وإنما يكلف على من اتهمه إثبات إجرامه بالقرائن والبراهين والأدلة، وإن كان هذا الأصل إلا أن ذلك لا يتعارض ولا يغني من بعض الإجراءات الاستثنائية التي تتمثل أبرزها في حق السلطة اتخاذ إجراءات الحفظ والتحقيق والحبس حول من دارت حوله الشبهات باعتبار دخوله دائرة الشك، ولا يترك له حرية التصرف ولكن كل ذلك يكون بتعامل إنساني مبني على أساس أنه بريء؛ بل وبعد أن تبين براءته يحق له طلب كل ضرر لحقه جراء التهمة سواءً أكانت مادية أو أدبية.

إن الإقرار والعمل بهذه القاعدة ليست بفضل القوانين الوضعية، وإنما أساسها الشريعة الإسلامية التي ختمت وأقرّت كل ما في صالح البشرية، فالملاحظ أن القرآن والسنة تناولت هذه القاعدة بصورة واسعة، فعلى سبيل المثال ما استنتجه وخرج به الفقهاء والعلماء بأن الأصل في الأشياء الإباحة ما إن لم يقم دليلاً ينفي ذلك، علاوة على ذلك ما نقل عن النبي في السنة “ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله”. مما يعضد من مبدأ “الشك يفسر لصالح المتهم”، وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر)؛ كل ذلك على سبيل المثال، ولعل الباحثين في العلوم الشرعية يأتون بضعف ما ذكرت، ومن هذا المنطلق فإنني أدعو المجتمع بالحذر في تسرع إطلاق الأحكام والإساءة إلى الأفراد واعتناق أي فكر ونهج حتى يتبينوا، فالقانون يحافظ على شخصية الأفراد في كل الأحوال، ويسعى جاهداً للإصلاح والبناء، وتقوم قواعده لتقويم سلوك الأفراد إلى الأفضل، وتحارب نصوصه كل فساد وتعسف؛ فلنحرص أن نكون لفكرة القانون خير مطبق ومعين حتى نستطيع أن نرى أثره.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights