التعليم المدمج مسؤولية الجميع
كاذية بنت علي البيمانية
في ظل الظروف الراهنة مع تفشي جائحة -كوفيد -19-، حدث الكثير من التغيرات على المستوى الدولي والمحلي في مجالات الحياة العامة والخاصة كافة.
و يعتبر القطاع التعليمي من ضمن المجالات الأكثر تأثراً بهذه الجائحة ، وكما يقال”رب ضرة نافعة”، وصدق الله العظيم حين قال “وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” سورة البقرة الآية 216 ، من المحن تأتي المنح ، ما إن انتشرت الجائحة التي أثرت على العملية التعليمة والذي انعكس بدوره على تعلم الطلبة واكتسابهم للمعرفة المطلوبة في كل مرحلة من مراحل التعليم المؤسسي سواء كان داخل المدارس أو الجامعات ، وبدأت تظهر مبادرات من بعض المعلمين في المدراس في محاولة لاستكمال المناهج الدراسية عن طريق التعلم عن بعد بالطرق والإمكانيات المتوفرة لديهم ،والذي أثبت فيها المعلم من خلالها مدى حرصه على مصلحة طلبته ، فكان البعض يستخدم مجموعات الواتس اب لإرسال مقاطع الفيديو والأنشطة التعليمية، وبعضهم يعمل على منصة زوم لإلقاء الدروس على الطلاب ، مع إرسال الرسائل التحفيزية والمسابقات والواجبات في جو تعليمي ينم عن أمانة المهنة، فشكر لكل معلم بادر في هذا العمل وهي كلمة قليلة في حقة -قم للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا- ، فالتعليم الإلكتروني ليس غريب على المعلم الذي يسعى دائما لتنمية كفاءاته لمواكبة التعلم الحديث ، ففي ظل التحولات العالمية، أصبح التعليم يعتمد بشكل كبير على التقانة والتكنولوجيا الرقمية ، فلا يخلو مبنى تعليمي من مختبر للحاسوب ، بل وأصبحت وزارة التربية والتعليم في أغلب معاملاتها إلكترونية تتم من خلال المنصة التعليمة التي تضمن الكثير من التسهيلات للإدارات المدارس والمعلمين وأولياء الأمور لإنجاز الاعمال، كما اشتملت على أيقونات تخص المعلم تحوي الدروس الإلكترونية والفيديو التعليمي لأغلب المواد من خلال المحتوى الإلكتروني للمناهج ، وحصل الطلبة على حقهم من هذه المنصة من خلال الأيقونة الخاصة بهم، والتي سهلت عليهم تحصيل المواد الداعمة لتعلمهم ،هذا إلى جانب المنافسة الشديدة بين إدارات المدارس لمساندة الوزارة في توفير البيئة التعليمة الجاذبة والمشوقة في توفير التجهيزات التقنية مثل أجهزة البركسيما المتنقلة والثابتة ، وشاشات التلفاز والسبورات الذكية والروبوتات وغيرها ، مع تدريب معلميها عليها ، هذا إلى جانب المساندة من المؤسسات المجتمعية والأهلية من خلال المنصات التعليمة التي أخذت تقدم خدماتها بشكل مجاني لتدعم العملية التعليمة، وللمشاركة في بناء الجيل الواعد لهذا الوطن الغالي كجزء من رد الجميل لعطاءات الوطن الغير محدودة، ولتتضافر الجهود بين القطاعات الداعمة كافة .
بالرغم من تواجد هذا الكم من الإمكانيات والتقانة الإلكترونية، إلا أنه لم يكن مستغل بالشكل الكبير والأمثل من الجميع ، لإمكانية التعليم التقليدي الذي يجمع الطالب بالمعلم في غرفة الصف ، وكون البعض يظن أنه إضاعة للوقت والجهد ، والبعض الآخر يؤمن بالتعليم الذي يعتمد على التلقين أنه هو الأنجح كون أنه كانت دراسته به في زمانه.
لكن الآن أصبح لزاما على الجميع أن يتكاثف في إنجاح (التعلم المدمج)، الذي يجمع التعليم التقليدي بالتعليم الإلكتروني في بوتقة واحدة وقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه-، في اجتماع مجلس الوزراء على أهميته، والاهتمام بقضية التعليم ، حيث تم الإعلان عن (التعليم المدمج)، لما يمثله من أولوية العمل الوطني ، فالتعليم المدمج سيعمل على الاستفادة من الإمكانيات المتاحة وسوف يعمل على مراعاة الفروق الفردية للطلاب ،و من هنا يجب أن تكون هناك قناعة من الجميع بهذا النوع من التعليم ، وأقصد القناعة التي تشمل إدارات المدارس، فقد أصبح عليها عبء المتابعة وتوفير الإمكانيات اللازمة للمعلمين بالتعاون مع الوزارة والمديريات التعليمية من خلال توفير التدريب الضروري لإكساب المعلمين الذي لا يزالوا بحاجة إلى التدريب في مجال التقانة واستخدام الشبكات وتوفير سبل التواصل الفعالة مع ولي الأمر والطالب .
بالنسبة للمعلم، أصبحت أمانته كبيرة في محاولة توصيل المعلومة بطريقة سلسة للطالب باستخدام الإمكانيات المتاحة وأن يعمل على تذليل الصعوبات بالتعاون مع إدارة المدرسة ، مع العمل على جذب وتحفيز الطالب للتعلم وخاصة مع طلاب الحلقة الأولى الذين يحتاج لهم مهارات خاصة لضمان بقائهم تحت شاشة الحاسب الآلي لمتابعة الدرس لكون وعيه بالمسؤولية لا يزال طفولي في حدود التعلم بالمحسوسات واللعب، مع أهمية تواصله المضاعف بولي الأمر للتعاون في إنجاح العملية ، بخلاف الطالب في المراحل المتقدمة الذي يعي مصلحته ونأمل أن يكون تعاطيه مع هذا التعليم بمسؤولية الفاهم لمستقبلة ولأهمية تعلمه .
وإذا تحدثنا عن مسؤولية الطالب الذي يعتبر محور العملية التعليمية والذي تسعى مهارات القرن الواحد والعشرين لدعم ولإنشائه بحيث يكون قادرا على التفكير والنقد البناء ، فلا بد من أن يكون هناك توعية من قبل المدرسة ،المعلم ،وولي الأمر لتبصير الطالب بأهمية الوعي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في عملية التعلم ، وأن النجاح متوقف على درجة تعاطيه مع الموقف التعليمي وأخذ الموضوع بجدية وعدم إهدار الوقت وتضييعه في ما لا يجدي نفعا ، إيمانا بالمثل الذي يحفظه الطلاب ويرددونه كثيرا “من جدّ وجد ومن زرع حصد…ومن سار على الدرب وصل”.
وأن تصل القناعة (بالتعلم المدمج)، لولي الأمر له دور مؤثر على تعليم أبنائه ، قد يقال أن الوضع الحالي يجبر ولي الأمر على الرضوخ لهذا النوع من التعلم ، نتيجة لخوفه على أبنائه في ظل تفشي هذا الوباء، حفظ الله الجميع ورفعه عن كافة المسلمين أنه على كل شيء قدير ، قد يكون هذا صحيحا لدى البعض القليل الذين لا يدركون أهمية التعليم الإلكتروني مع هذا الجيل التقني الذي أصبح على معرفة بالتكنولوجيا الرقمية أكثر من والديه وحتى معلميه في بعض الأحيان ، لكن الوضع الحالي هو فرصة للتعرف على ميول أبنائنا وتوجيهم للتعامل الصحيح مع هذه التقانة لاستغلالها الاستغلال الأمثل لكسب المعرفة ، وهنا توجيه كلمة حق لكل ولي أمر، إياك والتذمر من التعليم بأي شكل من الأشكال وخاصة أمام أبنائك ، وإياك من التقليل من دور المعلم في العملية التعليمية، (فالتعليم المدمج)، ضاعف دور المعلم ولم يقلله ، بل بالعكس أصبح الجهد مضاعف على المعلم وفي عملية الدمج والربط بين نوعي التعليم ،وهدم المجتمعات تبدأ بهدم القدوات -والتي تتمثل في العالم ورجل الدين ،المعلم ، ودور الأم كربة بيت– الآن أصبح دورك أكثر اهمية فقد أصبحت أحد أركان العملية ودورك سوف يساهم في الوصول للهدف المنشود قال الرسول الكريم : “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر.
وهنا لا ننسى دور الإعلام بكافة قطاعاته المرئية والمسموعة والمكتوبة ، وسائل التواصل الاجتماعي ، إلى أهمية أن يكون لها الدور الفاعل في نشر ثقافة (التعليم المدمج)، وفي معالجة القضايا التربوية التي ظهرت على الساحة مع بث روح الإيجابية ومحاولة تقليل المخاوف من الخوض في التجربة الجديدة ، نحن لا نجزم بتحقيق الهدف 100% فهذا يسمى تعجيز ، لا نجزم بأننا لن نواجه الصعوبات، ولا أن يكون (التعليم المدمج) خالٍ من المشاكل والمعوقات ، قال تعالى” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” سورة التوبة(105).
لكن نقول أن طريق النجاح ليس سهلا ومع تضافر الجهود وتعاون الجميع بإذن الله تعالى سوف نصل بأبنائنا إلى قمة النجاح والتميز “عمان نبض واحد “.