توأمة الآثار والتاريخ ( بيت الظاهر )
بقلم : ليلى بنت سعيد اللمكية
تمنحنا بيوت الطين رغبة التشبث بالمكان؛ لأنّها بلا جدال تاريخ وذكرى ستبقى عالقة في أذهاننا، حكاها لنا آباؤنا، ونحكيها لأبنائِنا، لا نرغب بمغادرتها للذاكرة؛ لتكون حلقة وصل للأجيالِ المتلاحقة، وامتداداً لكتابٍ قابل للإضافة دون الحذف نفخر به.
البيت العود في قرية الظاهر بولاية الرستاق أحد البيوت الطينية التي لا زالت ترغب بالبقاء رغم الهَجْر وعوامِل التعرية، بَقِيَ صامداً لأكثر من 130 عاماً، عندما هاجر عنه صاحبُه الشيخ الجليل ناصر بن سليمان بن راشد بن عمر بن سعيد بن ذيب اللمكي (1) إلى زنجبار بشرقي أفريقيا دون عودة ولم يكتمل البناء .
يتميز البيت العود في قرية الظاهر ببُرجَيْه، الأول في الجهة الجنوبية من البيت، والثاني في الجهة الشمالية، ويمر بداخله فلج.
وقد أسس الشيخ ناصر بجانب البيت مدرسة لتعليم القرآن الكريم ومجلساً لاجتماعات جماعة بني لمك، ثم هاجر للشرق الأفريقي حسب الروايات المتداولة لإحضار مواد بناء لاستكمال بناء البيت(2).
حرس البيت على بوابته الرئيسية سدرة ضخمة أتعبها انتظار أصحاب البيت، فمالت متكئة على السورِ الأَمَامِيّ.
على الجدارِ خلف الباب الرئيسيّ نُقِشَتْ أَبْيات شِعْرِيّة بخطِ الوالد حميد بن سليمان اللمكي – رحمه الله – يقول فيها:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ في التُرْبِ أَعْظُمُهُ
فَطَابَ مِنْ طِيبهِنَّ الْقَاعُ وَالأَكَمُ
نَفْسِي فِداءٌ لِقَبْرٍ أَنْتَ ساكِنُهُ فَيه العَفَافُ وَفيهِ الجُودُ والكَرَمُ (3).
يتزين البيت العود بنوافذه الخشبية الجميلة المطلة على مزارع النخيل وساقية الفلج، والتي لا تزال تكتسي ببقايا اللون الأخضر والسماوي.
وهناك داخل البيت الأرفف الواسعة (الروازن مفردها روزنة) والتي تُقَسّم أحياناً لقسمين تستخدم لوضع الأدوات المتنوعة من زينةٍ وكماليات أو أطعمة.
تَعَرّضَ ( للأسفِ الشديد ) السور الداخليّ للبيت العود للسقوط ، ولكن لا تزال أبراجه شامخة، وعَتَبَة بابه مفتوحة لمن يرغب بزيارته والغوص في رحلة تاريخية مُشَرّفَة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ولد الشيخ ناصر بن سليمان بن راشد اللمكي بولاية الرستاق في القرن الثالث عشر الميلادي، وذكر المغيري أنه عُيّنَ والياً على دار السلام في عهد السلطان برغش بن سعيد البوسعيدي (1870-1888م) ، ويمكن تحديد فترة وفاته ما بين (1895-1900م) /سعيد بن علي المغيري، جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، ط4، وزارة التراث القومي والثقافة، مسقط، 2001م، ص 349.
(2)مقابلة شفهية مع الشيخ سيف بن محمد بن سيف اللمكي، عضو مجلس الشورى بولاية الرستاق في الفترتين الثالثة (12/1997- 2000م) والرابعة(2001-11/2003م).
(3)وجدنا من خلال البحث في شبكة الإنترنت في منصة (من روائع الأدب) أن هذه الأبيات قالها أعرابي واقفاً على قبر خير البشرية سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لمِا رواه العتبي قائلا: كنت جالساً على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: “ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ” سورة النساء آية 64، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ في التُرْبِ أَعْظُمُهُ ….الى آخره ، قصيدة طويلة لا يسع المقام لتدوينها كاملة.